إرادة الجبوري: إعلامنا يشبه واقعنا السّياسي في الفوضى والتّخبط والفساد وغياب المهنيّة

الصفحة الرئيسية > تجربة > إرادة الجبوري: إعلامنا يشبه واقعنا...

إرادة الجبوري: إعلامنا يشبه واقعنا السّياسي في الفوضى والتّخبط والفساد وغياب المهنيّة

 

روزي الخوري - النهار العربي

أديبة وأكاديمية وإعلامية عراقية. الدكتورة إرادة الجبوري خاضت في المجالات الثلاثة وكانت مجلّية فيها. ولأنها كاتبة أولاً وأخيراً، تتوق الى اليوم الذي تتمكن فيه من التفرغ للكتابة الإبداعية، قصةً وروايةً.
وإذ ترى أن على المرأة بذل أضعاف مضاعفة من الجهد والصبر والكفاءة المطلوبة "للوصول الى ما يمكن الظفر به في ظروف البلد الصعبة"، تلاحظ أن المرأة في الإعلام تنقصها "مشاريع إعلامية حقيقية تعيد تعريف مهنة الإعلام ودوره في المجتمع، وبناء الدولة على أسس ديموقراطية".
"النهار العربي" حاور الأديبة الجبوري حول رصيدها الفكري والأكاديمي ودور المرأة في العراق.


انطلاقاً من اختصاصك في الإعلام، هل سهل على المرأة العراقية الوصول الى حيث تريد في هذه المهنة؟
- لا أعرف ما المقصود بـ"سهل". لا يزال وجود المرأة في المجال العام مستفزاً لقطاعات كبيرة من المجتمع العراقي، بالرغم من أن خروجها الى العمل في حواضر المدن بدأ في خمسينات القرن المنصرم، وتنامى في الستينات والسبعينات، مع صعود الطبقة الوسطى في العراق. وكان لنشوب الحرب العراقية - الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي، وما ترتب عليها من التحاق الرجال في سن العمل بالحرب، أثره في ظهور النساء في المجال العام ظهوراً واسعاً، وإشغالهن وظائف كانت حكراً على الرجال، فضلاً عن هيمنتهن على قطاعي التعليم والصحة، لا سيما مع ارتفاع نسب التحاق الإناث بالجامعات والمعاهد.
 
وكان إعلان انتهاء الحرب في آب (أغسطس) 1988، وعودة الرجال من جبهات القتال، بمثابة إعلان لضرورة عودة النساء الى بيوتهن! وقد بدأت الحكومة جملة من الإجراءات في هذا الصدد، حتى أنها شجعت النساء على التقاعد المبكر!
لكن دخول العراق في حرب جديدة بعد اجتياح النظام دولة الكويت عام 1990، وما ترتب على تلك المغامرة من تدمير لبنى الدولة بفعل الحرب الوحشية التي قادتها الولايات المتحدة ضد العراق، وفرض حصار لا مثيل له في التاريخ الإنساني، شلّت حياة الناس وأعادت البلد والمجتمع الى العصور المظلمة اقتصادياً وثقافياً. كان لتلك السنوات العجاف أثرها السلبي الكبير في نظرة العراقي الى الدولة التي تخلت عنه لمصلحة بقاء رأس النظام فيها، وتركته يواجه وحيداً القوى التقليدية بقيمها القرنوسطية وهي تتغول وتبتلع الدولة والفضاء العام، فما كان منه غير أن ينصاع إليها ويسايرها كي يبقى على قيد العراق!

كانت المرأة العراقية كشأنها دائماً أكثر المتضررين، والهدف الأسهل الذي يمكن توجيه السهام اليه من دون تردد أو تحمل مسؤولية أو شعور بالذنب!
فقد كانت المرأة العراقية طوال نصف قرن أداة بيد الأنظمة الحاكمة على اختلاف مسمياتها وأقنعتها، عسكرية أم عشائرية أم دينية كانت. أنظمة تختلف ظاهرياً، لكن جوهرها واحد ينطلق من بنية ثقافية قائمة على الإقصاء، تنظر الى المرأة والأقليات على أنها آخر.

في مثل هذه البيئة الاجتماعية، يصبح من باب الترف الحديث عن "وصول سهل" الى مهنة مثل مهنة الإعلام لطالما نظر إليها بصورة سلبية، مثلها مثل مهن أخرى لا يمكن تقنين حركة المرأة فيها، كالتعليم أو الوظائف التقليدية الحكومية.

لكن إن كان المقصود بوصول المرأة الإعلامية المهنية الى حيث تريد في المهنة، من حيث التأثير ومواقع صنع القرار "في المؤسسات الإعلامية"، فإن المتابع العلمي لهذا لن يجد امرأة على رأس مؤسسة إعلامية أو في مواضع صنع القرار، فوجودها ينحصر في مجالات تكرّس النظرة الذكورية لعمل المرأة ودورها الاجتماعي. لذا فإن وجودها اقتصر على مساحات التسلية والترفيه في المطبوع والمسموع، فضلاً عن المرئي، مع وجود استثناءات لم تتحول ولن تصبح ظاهرة أو تشكل اتجاهاً في المستقبل المتوسط أو حتى البعيد، إن لم تظهر مشاريع إعلامية حقيقية تعيد تعريف مهنة الإعلام ودوره في المجتمع، وبناء الدولة على أسس ديموقراطية.

هل وصولها اليوم أسهل منه في السابق أم العكس؟
- أعتقد أن الإجابة عن السؤال ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالسؤال الذي سبقه. فمن التعسف المقارنة بين نظامي حكم: الأول ديكتاتوري والثاني أريد له أن يكون ديموقراطياً. فكما تعرفين أن الأنظمة الإعلامية في العالم مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بجوهر النظام السياسي. قبل عام 2003 كان النظام الحاكم يهيمن على وسائل التعبير ويحتكر وسائل الإعلام التي كانت محدودة ببضع صحف ورقية وقناتين تلفزيونيتين ومحطة إذاعية، فضلاً عن بعض الصحف الأسبوعية التي ظهرت في تسعينات القرن المنصرم، وكانت مرتبطة بكيان أسس عام 1993 اسمه "التجمع الثقافي" بقيادة عدي ابن الرئيس السابق.
 
لذا فإن عدد الإعلاميات كان محدوداً بحكم محدودية وسائل الإعلام، غير أن وصول المرأة الى الإعلام كان يتطلب مهارات إعلامية وليس عشوائياً. أما بعد 2003 والانفتاح الذي حصل من ظهور صحف يومية وأسبوعية تعد بالعشرات (لم يصمد منها بعد بضعة أعوام غير الصحف التي تمولها الأحزاب الى جانب الصحيفة الرسمية) ومع تنامي الفضائيات ومحطات الإذاعة المملوكة هي الأخرى لأحزاب أو الممولة من شخصيات ذات مصالح حزبية، أتاح كل هذا تزايداً ملحوظاً في عدد العاملات في الإعلام، ولا سيما برامج الترفيه، لكن هذه الزيادة كانت على حساب النوع والمادة التي تقدم، والأمر ينطبق على الجنسين.

ومع دخول وسائل التواصل الاجتماعي عالمنا، صارت وسائل الإعلام المرئي تعتمد في توظيف الإعلاميين والإعلاميات على عدد المتابعين للشخصيات ونجوم وسائل التواصل الاجتماعي، فصارت وسائل الإعلام تعيد إنتاج ما تصدره وسائل التواصل الاجتماعي من أفكار وقيم واهتمامات، قد لا تكون من أولويات وواجبات وأدوار ما يجب أن تقوم به وسائل الإعلام. لذا فمن الصعب علمياً المقارنة بين نظامين وفترتين مختلفتين ظاهرياً. أقول ظاهرياً لأن الفضاء العام كان تحت ظل نظام واحد فأصبح بعد 2003 تحت هيمنة أحزاب واتجاهات وصلت على ظهر"دبابة" الديموقراطية وترفع رايتها، لكن جوهرها ديكتاتوري، الى جانب ديكتاتورية رأس المال الذي يتماهى مع الشعبوية من أجل تحقيق الأرباح، متنازلاً عن دور الإعلام الحقيقي.

أبحاث عديدة أعددتها محورها صورة المرأة العراقية في مجالات عدة. أي صورة تعطينها عن المرأة العراقية اليوم عموماً؟
- بحكم انشغالاتي الأكاديمية واهتماماتي بقضايا المرأة عموماً، تابعت في أبحاثي صورة المرأة في وسائل الإعلام ووسائل الإنتاج الثقافي عموماً. لذا لا أستطيع إعطاء صورة معينة للمرأة، لأن الصورة تتجسد عبر الرسائل الثقافية وفي أذهان الناس.

هل هي حاصلة على حقوقها كاملة؟ وما الذي تعانيه؟
- لا تختلف أوضاع المرأة في العراق عنها في العالم العربي أو الشرق عموماً، بل إن هناك الكثير من المشتركات بين النساء في العالم، حتى في البلدان التي سبقت بلداننا بأشواط طويلة في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان، ولكن تبقى النساء في المناطق التي تعاني حروباً وحصارات في ظل ثقافات ذكورية غير مقننة تعاني بدرجات أكبر. معاناتها مركبة، فهي تعاني مثل الرجل والإنسان عامة بفعل اللامساواة وفقدان العدالة وغياب قيم المواطنة، وتعاني لكونها أنثى في بيئات لا ترى فيها غير إنسان من الدرجة الثانية، مهمته إرضاء الذكر في المجالين الخاص والعام، والقبول بكل ما يفرضه عليها.

إذا أرادت المرأة العراقية الوصول إلى أي مركز تريد، فهل يعطيها بلدها الفرصة أم تكون مضطرة الى الخروج من البلاد لتحقيق ما تصبو إليه؟
- على المرأة أن تبذل أضعافاً مضاعفة من الجهد والصبر والكفاءة المطلوبة للوصول، ليس الى ما تريد، ولكن الى ما يمكن الظفر به في ظروف البلد الصعبة. هناك عدد لا يحصى من قصص النجاح التي حققتها نساء خارج العراق، لكن فرصة الخروج ليست متاحة للجميع، كما أنها ليست خيار عدد كبير من النساء.

بين الإعلام والتعليم، أي مهنة أقرب إليك؟ وما الرسالة التي حملتها عن بلدك الى العالم؟
-تحولت من الإعلام الى التعليم، لأني وجدت في مرحلة ما أني يمكن أن أكون أكثر فائدة في خدمة أهداف كنت وما زلت أؤمن بها. في هذا الصدد أستعير مقولة الأب أنستاس الكرملي قبل أكثر من قرن "البلاد التي لا صحافة فيها لا صحة فيها"، فلا يمكن أن نحظى بمجتمع سليم معافى من دون إعلام حقيقي. لذا فإن رفع المشعل لإضاءة طريق بضعة شباب وشابات كل عام من شأنه أن يوسع دائرة التنوير، وهذا نجاح بذاته.

كيف تصنّفين واقع الإعلام العراقي اليوم؟
ب-عد عام 2003 صار دخول مجال الإعلام أكثر من متاح للجنسين، بعيداً من عنصري الكفاءة والاستحقاق، إذ إن تحوّل العراق من مركزية حكم الحزب الواحد والصوت الواحد الى التعددية الحزبية، وما رافقه من انفتاح وصل الى درجة الانفلات في ظهور وسائل إعلام مرتبطة بدكاكين حزبية، أساء الى مفهومنا العلمي والأخلاقي لمهنة الإعلام. إذ تحول الإعلام الى "مهنة من لا مهنة له" حتى فاق عدد المنضمين الى نقابة الصحافيين العراقيين أعداد أعضاء نقابات الصحافيين في دول ذات كثافة سكانية مثل مصر معروفة بصناعتها الإعلامية منذ عقود. ويقدر عدد المنضمين الى نقابة الصحافيين العراقيين بعشرين ألف عضو، نسبة كبيرة منهم لا علاقة لها بالمهنة من بعيد أو قريب، وهذا بذاته يمكن أن يكون إجابة عن السؤال.
واقع الإعلام في العراق يشبه الواقع السياسي للبلاد، من تخبط وتناحر وفوضى وعدم مهنية وكفاءة، وفساد وابتزاز ولا يقين وارتهان للآخر بعيداً من مصالح البلاد.

الحرية الإعلامية سيف ذو حديّن. كيف تطبّق في العراق؟
-يا للأسف الشديد، تعيش البلاد فوضى ليس في استعمال المصطلحات بل في فهم الحريات. ما يصدر يومياً عبر وسائل الإعلام لا يعبّر عن حرية مسؤولة بقدر تعبيره عن "ثقافة" تصادر معنى الحريات الحقيقية، أو تستعمل مفردة الحرية بتعسّف يبرر الاعتداء على مبادئ الحرية. فوسائل الإعلام اليوم جزء من مشكلة وليست الطريق الى حوار وطني يفكك المشكلات للمساعدة في الوصول الى حلول. خطابات التحريض والكراهية أمست بضاعة تسوقها وسائل الإعلام يومياً، بعدما فقدت بوصلتها الإنسانية والوطنية.

هل من مشاريع إعلامية وأكاديمية جديدة تسعين إليها؟
-دخلت مجال الإعلام أولاً ومجال البحث العلمي ثانياً، وهما مهنتي، لكني في الأساس كاتبة. كنت وما زلت أعد نفسي كاتبة قصة بالدرجة الأولى. ولو كنت أعيش في بلد يستطيع الكاتب فيه التفرغ للعمل الإبداعي ويعيش منه لما اخترت أن أقوم بعمل آخر غير الكتابة. أنتظر بفارغ الصبر اليوم الذي أتمكن فيه من التفرغ للكتابة الإبداعية: القصة والرواية.
  • بيت الاعلام العراقي

    رصد تسلل مصطلحات "داعش" إلى أروقة الصحافة

    أصدر "بيت الإعلام العراقي" سلسلة تقارير رصد فيها المصطلحات المستخدمة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ"داعش" في حملاته الدعائية والتي تسللت بصورة واسعة إلى التغطية الصحفية لوسائل الإعلام المختلفة.

  • ماڵی ڕاگەیاندنی عێراقی

    ڕووماڵی دزەکردنی چەمك ودەستەواژەکانی "داعش" بۆ ناو ڕاڕەوەکانی ڕۆژنامەگەری

    "ماڵی ڕاگەیاندنی عێراقی" زنجیرە ڕاپۆرتێكی بڵاوکردۆتەوە كە تیایدا ڕووماڵی ئەو چەمك ودەستەواژە بەكارهاتووانە دەكات لە هەڵمەتەكانی ڕاگەیاندندا لەلایەن ڕێكخراوی دەوڵەتی ئیسلامی ناسراو بە "داعش" كە ئەم چەمك ودەستەواژانە بە شێوەیەكی بەر فراوان دزەی كردووە بۆ ناو ڕووماڵە ڕۆژنامەگەرییەكانی دەزگا جۆراوجۆر وجیاوازەكانی ڕاگەیاندن.

  • The killing of journalist Shireen Abu Akleh must be condemned

    The Palestinian journalist was shot and killed on Wednesday 11 May while she was on duty covering the occupation’s illegal actions in the Palestinian city Jenin. IMS condemns what looks like a extrajudicial execution and calls on all human rights organisations and democratically minded States to do the same.

  • منظمة تمكين النساء في الاعلام

    في اليوم العالمي لحرية الصحافة: 91 % من الصحفيات العراقيات يواجهن صعوبة في الحصول على المعلومات

    كشفت نتائج استبيان أجرته منظمة تمكين النساء في الاعلام ان 91 % من الصحفيات العراقيات يواجهن صعوبة في الحصول على المعلومات مما يعرقل عملهن ويشكل تحديا كبيرا للمهنة.

كيف تقرأ الصحف اليومية العراقية؟

  • النسخة الورقية
  • النسخة الألكترونية