الجيوش الالكترونية ترفع لثامها.. خطاب كراهية يهدد السلم المجتمعي
الصفحة الرئيسية > تقارير الرصد الإعلامي > الجيوش الالكترونية ترفع لثامها.. خطاب...
يرصد بيت الإعلام في تقريره الاربعون تنامي ظاهرة "الجيوش الالكترونية" في العراق بعدما اصبحت شائعة على نحو لافت مؤخرا، وفي تطور خطير لم يتردد القائمون عليها في كشف خلفياتهم وداعميهم، اذ بدأت تساهم مئات الصفحات في التأثير على الراي العام بأتجاه اراء مغلوطة لا تخلو من الكراهية، ولم تقتصر على الميدان السياسي بل طاولت شخصيات عامة وافراد.
واستند تقرير الرصد الجديد على متابعة ومراقبة اكثر من 200 صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي على مدى ثلاثة اشهر اظهرت بشكل واضح كيف تدار هذه الصفحات وماذا تستهدف ومتى، وكيف لعبت ادوارا سلبية في السلم والامن المجتمعيين في البلاد، وساهمت في اقحام الجمهور في ازمات سياسية.
وتعتمد صفحات الجيوش الالكترونية على عنصرين اساسيين، الاول نشر الاخبار المفبركة وتشمل صور ومقاطع فيديو وتعليقات متهكمة عبر محترفين وخبراء في الصحافة والمونتاج، والثاني تمويل المنشورات عبر مبالغ طائلة ولأيام طويلة تصل الى اسبوعين لكل منشور.
ويأتي تقرير الرصد الجديد مكملا للتقرير التاسع والعشرون الذي نشره "بيت الاعلام العراقي" قبل عامين في تموز (يوليو) 2017 تحت عنوان "الجيوش الإلكترونية"... أخبار مفبركة تجتاح "فيسبوك" عندما برزت ظاهرة الجيوش الالكترونية على نحو لافت للمرة الاولى في البلاد انذاك، ويقارن التقرير الجديد مع التقرير السابق كيف تطورت وسائل هذه الجيوش وانتشرت على نطاق واسع في مؤشر الى فشل المنظومات القانونية والمهنية في معالجة الظاهرة رغم اعتراف الجميع بتداعياتها الخطيرة على المجتمع.
واستند "بيت الاعلام العراقي" في تقرير الرصد الجديد على صفحات تمتنع عن كشف القائمين عليها ولاحظ مستخدمو مواقع التواصل كثرة انتشارها في الآونة الأخيرة وحصلت على الاف من المتابعين خلال أيام قليلة، وتعتمد على اعلانات ممولة بشكل مكثف لمنشورات محددة تتضمن خطاب كراهية وتهجم ودعوات للتحقير والتنكيل والعنف ضد حتى شخصيات عامة اجتماعية وثقافية كما استهدفت حملات واسعة النساء وتدفع نحو تحجيم دور المراة في المجتمع والحياة العامة.
وفي تطور خطير، انخرطت وسائل الاعلام في حملات الجيوش الالكترونية عبر تبني ما تنشره هذه الصفحات في تغطياتها الاعلامية اليومية رغم انها مفبركة، والاكثر من ذلك ساهمت وسائل اعلام في ان تكون مصدرا لمنشورات صفحات الجيوش الالكترونية.
ويتضمن التقرير رصدا دقيقا وموثقا بالصور لتاريخ انشاء صفحات وتعريفاتها وعدد متابعيها مع عينة من منشورات هذه الصفحات يحتوي أيضا على عدد المتفاعلين من الجمهور بالإعجاب والتعليقات والمشاركة على الصفحات الشخصية لتسليط الضوء على سرعة وحجم انتشار هذه الأخبار بين العراقيين على مواقع التواصل.
ويلفت "بيت الاعلام العراقي" الى أن تقرير الرصد ارتكز على عينة شاملة لصفحات، عبر استعراض وتحليل محتواها دون إطلاق أحكام عن أسباب وأهداف والجهات التي تقف ورائها وطبيعة الأخبار والتقارير والمقالات، ملتزما بالشق المتعلق بالجانب المهني وانعكاسات غيابه على والسلم والأمن المجتمعيين.
وخرج تقرير الرصد بالنتائج الاتية:
-
سجل راصدو بيت الاعلام العراقي ان بعض القائمين على العشرات من الصفحات الممولة وتقود حملات موجهة لم يعد يكترثون بأخفاء انتمائهم والجهات الداعمة لهم وغير مبالين بالدور السلبي الذي يلعبونه في تأجيج العنف وتوجيه الراي العام نحو مسارات سلبية، مستغلين في ذلك غياب منظومة قانونية تكافح محتوى العنف والاخبار المفبركة على مواقع التواصل الاجتماعي.
-
تمكن راصدو "بيت الاعلام" خلال فترة الرصد الممتدة لاكثر من 90 يوما وشملت اكثر من 200 صفحة من الكشف عن الاماكن التي تدار منها هذه الصفحات بعدما وقع بعض القائمين عليها في اخطاء تقنية في اخفاء الخصوصية عبر نشر منشوات اثناء تشغيل خدمة الموقع (GPS)، ورغم تلافي ذلك بعد دقائق من قبل مدرائها الا ان راصدوا بيت الاعلام تمكنوا من توثيقها.
وابرز النتائج ان العشرات من الصفحات تضمن موقع البلد الاساسي الذي انشات فيه الصفحات كانت في دول جوار العراق، واخرى في دول اوربية لديها قوانين صارمة في مكافحة مثل هذه الصفحات المثيرة للعنف في اشارة الى الثغرات التي تعاني منها هذه الدول في تطبيق القوانين في هذا الخصوص.
-
انخرط صحفيون في ظاهرة الجيوش الالكترونية عبر ادارة صفحات باخفاء هويتهم او تضمين صفحاتهم حملات تتناغم مع حملات تشنها الجيوش الالكترونية، ولاحظ راصدو بيت الإعلام أن الأخبار المنشورة على أغلب الصفحات محور الرصد جرى كتابتها وتحريرها بطريقة محترفة لغويا ولكنها تفتقر المهنية عبر تبني صياغة تهجمية او تهكمية ضد أحزاب وشخصيات وفئات اجتماعية، باستخدام عبارات كراهية مباشرة مثل "خيانة" "جواسيس" "حثالات"، "عملاء"، "عهر"، "حمقى"، "غدر"، "جبان".
-
في ظاهرة غريبة، سجل "بيت الاعلام العراقي" ان المئات من الصفحات الوهمية على فيسبوك تحمل اسماء قنوات تلفزيونية لها صفحات رسمية موثقة بالعلاقة الزرقاء من قبل ادارة "فيسبوك"، ولكل قناة معدل 10 صفحات وهمية تواضب على نشر ما تنشره الصفحة الرسمية الموثقة اول بأول ما يضع هذه القنوات امام مسؤولية كبيرة، اما انها تقف وراء انشاء هذه الصفحات لنشر منشورات معينة ممولة لاغراض سياسية، او ان هذه الصفحات انشات دون علم ادارة القناة لاغراض الانتشار والشعبية او لاهداف السياسية، وفي هذه الحالة لا يعفي ادارة القنوات من القيام بالتبليغ عنها بسهولة لاغلاقها.
-
تمتلك اغلب الاحزاب والشخصيات السياسية جيوش الكترونية عبر تأسيس اقسام في مكاتبها الاعلامية متخصصة في هذا الشأن، ولاحظ راصدو بيت الاعلام ان صراعات هذه الجيوش على مواقع التواصل الاجتماعي هي انعكاس واقعي لخريطة الصراعات السياسية القائمة بين الكتل والاحزاب، وبينما تتصارع جيوش فيما بينها حول قضية فانها تتوحد في قضايا اخرى بالتناغم مع تقارب الكتل وتباعدها حول قضايا معينة.
-
تنشر صفحات ممولة الكثير من الوثائق والصور المفبركة بهدف تخوين واتهام خصومها، كما تتضمن وثائق على انها لملفات فساد إداري ومالي غير مطروقة في وسائل الإعلام، بينما تقوم صفحات أخرى بمونتاج وثائق لوزارات وهيئات رسمية عبر برامج الفوتو شوب لإضفاء نوع من الصدقية على الأخبار. وغالبا ما تحصل هذه المنشورات على تفاعل واسع من الجمهور الذي يميل الى تصديقها كثيرا ويبني عليها مواقفه، بل ان سياسيين استخدموا هذه الوثائق في بياناتهم وتصريحاتهم على وسائل الاعلام ما اضفى عليها نوع من المصادقية الكاذبة.
-
سجّل راصدو بيت الاعلام أن صفحات الجيوش الالكترونية تنشط بشكل مكثف أوقات الأزمات على الصعيد الوطني مثل التفجيرات وحالات الخطف وزيارة مسؤولين الى البلد، ويكون فحوى المنشورات التهجم اللفظي ضد سياسيين عبر جبهتين أو أكثر تسعى لتحميل الطرف الآخر أسباب الازمة، بينما ساهمت هذه الصفحات في خلق ازمات وهمية لتوجيه الرأي العام بعيدا عن القضايا الحقيقية.
-
يلاحظ ان صفحات ممولة على فيسبوك غالبا ما يكون لها امتدادات الى أكثر من موقع تواصل وأبرزها "تويتر" و"يوتيوب" و"انستغرام"، وتقوم قنوات اليوتيوب بإعادة نشر مقاطع فيديو تتضمن تصريحات مثيرة لسياسيين بعد منتجتها ونشر الجزء المتعلق بالتصريح المثير أو اجتزاء التصريح، ما يؤدي لتكريس الكراهية بين فئات المجتمع.
-
تُصرف اموال طائلة على المنشورات الممولة التي تحمل خطاب كراهية واخبار وصور مفبركة، اذ راقب "بيت الاعلام العراقي" النطاق الزمني لتمويل منشورات معينة وحجم التفاعل معها، ومع حساب فترة تمويل منشورات التي وصل بعضها لاكثر من 15 يوم واحصاء التفاعلات التي جمعتها هذه المنشورات فان تمويل كل منشور يكّلف اكثر من 500 دولار استنادا الى اجور واليات الاعلان الموضحة من قبل شركة فيسبوك.
-
تتبنى صفحات قضية بعينها وترتكز منشوراتها على دعم القضية عبر أخبار واشاعات، ويعرّف القائمون على صفحات أنفسهم على أنهم شريحة من موظفي وزارات وهيئات حكومية، او انصار احزاب وشخصيات سياسية، بينما تنتحل صفحات أسماء لأحزاب وكتل سياسية معروفة تقوم بمهاجمة خصوم هذه الاحزاب او التهجم على الاحزاب التي تحمل اسمائها، وتتوانى الاحزاب والشخصيات في اغلاق هذه الصفحات رغم اعلانهم على وسائل الاعلام عدم تبعيتها لهم لكنهم يتجاهلون عن قصد او دونه اتباع الطرق التقنية لاغلاقها.
توصــــــــــيات:
-
اطلاق حملة على الصعيد الوطني وضمن فترة زمنية محددة لتوثيق الصفحات التابعة الى المؤسسات الرسمية والوزارات والهيئات والاحزاب والكتل والشخصيات السياسية والدينية والعامة ووسائل الاعلام بشكل رسمي في فيسبوك وتويتر وانستغرام ويوتيوب، اذ ان توثيق هذه الصفحات يساهم وبسهولة في اغلاق الصفحات الوهمية التي تحمل اسماء هذه الجهات وبالتالي سيتم مكافحة ظاهرة انشاء صفحات وهمية.
ولتحقيق ذلك يمكن توفير فريق تطوعي شبابي ممن لديه خبرة تقنية في مجال توثيق الصفحات لمساعدة هذه الجهات على توثيق حساباتها، وبعد انتهاء الفترة الزمنية المحددة لهذه الحملة فان اي جهة رسمية او غير رسمية تمتنع عن توثيق حساباتها واغلاق صفحات تحمل نفس اسمائها فأنها ستتحمل كامل المسؤولية عن انتشار الجيوش الالكترونية التي تحمل اسمائها.
-
على المؤسسات والجهات ذات العلاقة وبالتنسيق مع خبراء تقنيين مراقبة الصفحات الممولة التي تنشر اخبار مفبركة تحمل خطاب كراهية وتسقيط وتحقير ودعوة الى العنف واخبار كاذبة، والكشف عن القائمين عليها وتقديمهم الى القضاء من اجل كبح ظاهرة الجيوش الالكترونية، اذ ان علمية الكشف عن مواقع انشاء ونشر المنشورات على هذه الصفحات ليست مهمة صعبة، مع التأكيد على ان المنشورات التي تتضمن اراء وانتقادات لاوضاع سياسية وظواهر اجتماعية واوضاع خدمية حق اساسي متاح للجميع ضمن مبدأ حرية التعبير عن الرأي ولا يجوز المساس به تحت اي ذريعة ما دام لا يتضمن خطاب كراهية وتسقيط وتحقير ودعوة الى العنف واخبار كاذبة.
-
على المؤسسات الرسمية تطبيق مبدأ حق الحصول على المعلومة لوسائل الاعلام والجمهور من أجل تحقيق أكبر قدر من الشفافية في القضايا الوطنية الكبيرة، إذ أن غياب الشفافية وامتناع المسؤولين عن التعليق أحد أبرز عوامل انتشار الإشاعات والأخبار المفبركة حول هذه القضايا، ولغياب الموقف الرسمي الصريح فإن الجمهور يميل إلى تصديق ما ينشر على مواقع التواصل، وينعكس ذلك سلبا على المسؤولين أنفسهم الذين يضطرون الى التعليق لاحقا على الشائعات بعد فوات الأوان، إذ أن الشائعات والأخبار الكاذبة وصلت مسبقا الى جمهور واسع عبر مواقع التواصل بفضل "الإعلان الممول".
-
على وسائل الإعلام إيلاء الجانب المهني أولوية قصوى في تغطية الأزمات الكبيرة، خصوصا تلك المتعلقة بمصير أفراد وجماعات ومؤسسات وفئات اجتماعية، عبر اعتماد معلومات حقيقية مستندة على وثائق وتصريحات أصحاب العلاقة، وعدم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مصدرا أساسا للتغطيات الإعلامية، مع التأكيد على أن محاولة وسائل إعلام إخلاء مسؤوليتها عما تنشره من محتوى عبر الإشارة إلى أن مصدرها مواقع التواصل لا يخلي مسؤوليتها المهنية والقانونية من تحمّل تبعات أخبار كاذبة وحملات تحريضية تسهم في تعميق الشرخ المجتمعي.
-
إشاعة ثقافة التعامل المهني مع المحتوى الرقمي عبر توفير خبرات للجمهور في كيفية التعاطي مع الأخبار والصور ومقاطع الفيديو المتداولة، وتبيان مخاطر المنشورات الكاذبة على الأمن والسلم الاجتماعي، وتشجيع ظاهرة صحافة المواطن لتمكين أكبر قدر من الجمهور من الوصول بجهد شخصي إلى المعلومات الدقيقة بشأن أحداث لافتة بدلا من لجؤه إلى مواقع التواصل وصولا للمعلومة، ويتم ذلك عبر تشجيع استراتيجية استخدام الإعلام الاجتماعي والتدوين.
اضغط على الرابط لتحميل تفاصيل تقرير الرصد الإعلامي - الجيوش الالكترونية ترفع لثامها.. خطاب كراهية يهدد السلم المجتمعي