إدارة أوباما تجهد في الحرب الرقمية مع “داعش”
الصفحة الرئيسية > أخبار وملفات > إدارة أوباما تجهد في الحرب...
انطلق اهتمام الولايات المتحدة الأميركية بوسائل التصدي للجماعات الاسلامية المتطرفة قبل بروز تنظيم “داعش” ونجاحه في بسط نفوذه وجذبه حاضنات اجتماعية واسعة في بلدان عربية وافريقية عديدة. فمنذ العام 2012 ومركز “ان سي تي سي” الاميركي يعمل على جمع وتخزين وتحليل بيانات واسعة النطاق عن مواطنين أميركيين وفرتها مصادر حكومية مثل وكالة الامن القومي، وأخرى غير رسمية، وذلك بسبب الاشتباه بتصرفات هؤلاء الاشخاص من خلال تبادل معلومات استخباراتية مع دول أجنبية.
ويعد هذا المركز، ومقره في إحدى ضواحي مدينة ماكلين بولاية فرجينيا، أحد أهم المراكز المتخصصة بمكافحة الارهاب. وكانت وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي ايه” سارعت بعد هجمات “القاعدة” في نيويورك وواشنطن العام 2001 إلى إنشاء مراكز متعددة لمكافحة الارهاب بهدف مواجهة الاسلاميين المتطرفين، وتنتشر هذه المراكز الآن في أكثر من ثلاثين بلداً. وأعدت الاجهزة الاميركية المتخصصة قاعدة بيانات للإرهابيين أو المشتبه فيهم تضمنت أسماء نحو 25 ألف من الاميركيين أو المقيمين بصفة قانونية في الولايات المتحدة، وهو ما يمثل نحو 2 في المئة من العدد الاجمالي للاشخاص بملفات الاستخبارات التي تضم أعداداً كبيرة وفقاً لما ذكرته جريدة “واشنطن بوست”.
ووفق بيانات للمركز الوطني لمكافحة الارهاب، كان هناك نحو1.1 مليون شخص في قاعدة البيانات الســرية اعتباراً من كانون الأول (ديسمبر) 2013، ولكن العدد ارتفع إلى أكثر من الضعف عقب المحاولة الفاشلة لاحد الارهابيين لتفجير طائرة ركاب متجهة إلى ديترويت العام 2009، وذلك كما ورد في وثائق سرية مسربة إلى مجلة “انترسيبت” الالكترونية.
وقد استخدمت “السي آي ايه” برنامجاً سرياً باسم (Hydra) لجمع المعلومات عن هويات الارهابيين، وكشفت “ انترسيبت” ان الولايات المتحدة أدرجت 3200 ارهابي معروف أو مشتبه به لهم صلة بالنزاع السوري، بمن فيهم 715 أوروبياً وكندياً و41 أميركياً”، وأقر مسؤولون أميركيون بسفر أكثر من 100 اميركي للجهاد في سورية والعراق، عاد منهم نحو 12 شخصاً يخضعون لمراقبة مشددة من مكتب التحقيقات الفيديرالي “إف بي آي”.
وتعد عملية ادارة قاعدة البيانات أمراً شاقاً، مع تعامل المحللين مع نحو 250 وثيقة يومياً و200 تقرير يتضمن معلومات ادارية جنباً إلى جنب مع طلبات الحصول على تأشيرات السفر إلى الولايات المتحدة. وتشير تقارير امنية اميركية إلى ان اعلى خمس مدن اميركية فيها “ارهابيون معرفون او مشتبه بهم” هي نيويورك، وديربورن في ولاية ميتشيغن، وهيوستن، وسان دييغو، وشيكاغو.
برامج موجهة
وكان المدعي العام الاميركي اريك هولدر اعلن اطلاق سلسلة من البرامج الموجهة ضد التطرف والتشدد الديني في انحاء الولايات المتحدة بالتعاون مع ممثلي منظمات المجتمع المدني والقادة الدينيين بالتنسيق مع البيت الابيض والمركز القومي لمكافة الارهاب. ولمواجهة الجماعات الجهادية ووضع آليات وقائية تحد من أخطارها على الامن القومي العالمي، أرسلت واشنطن نحو 70 قاضياً ومحققاً إلى 14 دولة في الشرق الاوسط والبلقان وشمال افريقيا للمساعدة في التحقيق مع المقاتلين الاجانب الارهابيين من سورية والعراق وإحالتهم على القضاء.
اكتساب الارهاب عناصر قوة اضافية وفرتها له تقنيات العولمة مكنته من التحول إلى ظاهرة كونية، ضغط على واشنطن لاتباع طرق وأساليب اكثر تطوراً لفهم الابعاد المختلفة لهذه الظاهرة التي تهدد بنسف الامن القومي والسيادة الوطنية للدول وبث الكراهية بين المجتمعات المختلفة حول العالم.
وفرضت وتيرة نجاح “داعش” في اجتياح شبكة الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي تغيير طريقة التفكير والوسائل المتبعة، وبدأ توسيع “مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الارهاب” التابع لوزارة الخارجية بهدف تنسيق المحاولات المضادة الحالية التي تقوم بها الهيئات الفيدرالية الكبرى مثل وزارة الدفاع ووزارة الامن القومي، والأكاديميين المسلمين البارزين وقادة المجتمع المدني، والزعماء الدينيين الذي يرفضون “داعش”.
وتواجه الطواقم الاميركية التي تكرس عملها لاضعاف الزخم الرقمي الذي ينشره “داعش” ويصل إلى 90 الف تغريدة يومياً مشكلات وصعوبات حقيقية، وأقر وكيل وزارة الخارجية لشؤون الديبلوماسية والشؤون العامة ريتشارد ستنغل لجريدة “نيويورك تايمز” بأنهم “يتفوقون في المحتوى الذي ينشرونه، لذلك فان السبيل الوحيد امامنا هو تجميع وضبط المحتوى الحالي للعمل الرقمي المضاد”.
رسائل مضادة
انشئ مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الارهاب في العام 2011، وافلح في تنسيق الرسائل المضادة ضد الجماعات الجهادية، وابتكر وسائل متطورة لمواجهة ما تبثه من خطابات وافكار متطرفة، وجذب للعمل فيه متخصصين في التواصل الرقمي ممن يتحدثون او يتقنون اللغات العربية والاوردية والصومالية والبنجابية، كما ينشر محللون الرسائل على المواقع باللغة الانكليزية التي يستخدمها التنظيم في التجنيد وجمع الاموال وغسل الادمغة.
ويركز المركز ويرأسه ستنغل الذي انضم إلى ادارة الرئيس باراك اوباما بعد 7 سنوات أـمضاها كمدير تحرير لمجلة “تايم” الاميركية، على التعامل مباشرة مع الشباب وفي بعض الاحيان مع الجهاديين على المواقع المعروفة بشعبيتها في الدول العربية، ويقوم العاملون فيه بنشر الدعاية المعادية للتنظيم، ويقوم فريق متخصص في هذا المركز يحمل اسم “التواصل الالكتروني” بنشر رسائل على شكل تغريدات قصيرة، ومقاطع فيديو وصور، تخلط بين الجدية والتهكم في آن.
ويقوم عشرات الموظفين بتحريك حساب على “تويتر” باللغة العربية بعنوان (@DSDOTAR) وهو رديف لحساب باللغة الانكليزية بعنوان (@THINKAgain_ DOS).
يستخدم المركز مئات الحسابات التابعة لوزارة الخارجية والسفارات والمراكز الاعلامية في حربه الرقمية ضد التنظيم، ولكن الخبير البارز في شؤون الشرق الاوسط البرتو فرنانديز انتقد في حديث مع “نيويورك تايمز” وزارة الخارجية والبيت الابيض لعدم تقديمهما الدعم الكامل او التمويل المناسب لانشطة المركز التي تبلغ 5 ملايين دولار فقط. فيما قال المنسق السابق لمكافة الارهاب في الخارجية دانيال بنيامين: “لا أحد يتعامل مع المركز بجدية، والدعم الذي يتلقاه ما زال باهتا”.
وفي هذا السياق قال مدير “سي آي ايه” السابق ريتشارد لابرون لصحيفة “واشنطن بوست”: “فشلنا في مواجهة دعايات داعش لان حملتنا تكاد تكون عنصرية” واضاف “ان هؤلاء يتربون على تكنولوجيا الانترنت مثلما يتربى اولادنا وبناتنا”.
دخلت وكالة الامن القومي الاميركية على خط المواجهة الرقمية مع التنظيم، وقال رئيسها مايك روجرز ان جهازه يعمل حاليا على مراقبة قدرات التنظيم الالكترونية، لكنه رفض الخوض في التفاصيل”، مؤكدا ان “ليس هناك اهم من ازدياد هذا النشاط على وسائل الاتصال الاجتماعي”. وتزمع الوكالة زيادة عدد المتخصصين الذين سيعملون في هذا المجال إلى 6200 موظف بحلول العام 2016 لتتبع واحباط اي أخطار محتملة على الامن القومي الاميركي، كما تسعى لعقد شراكات مع مؤسسات الانترنت في مجال الامن الرقمي.
عن صحيفة “الحياة” اللندنية