إرادة الجبوري: لا وجود لإعلام حقيقي في مجتمع يعيش “ما قبل الدولة”
الصفحة الرئيسية > تجربة > إرادة الجبوري: لا وجود لإعلام...
التقى “بيت الإعلام العراقي” بالأكاديمية إرادة زيدان الجبوري، مسؤولة التدريب والبرامج الثقافية في النقابة الوطنية للصحفيين العراقيين، للحديث عن أفق ومستقبل مهنة الصحافة في العراق.
تقول السيرة الذاتية للجبوري، إنها أصدرت عدة روايات، بدءا من مجموعتها الأولى "شجرة الأمنيات" مرورا بـ "غبار المدن" و"عطر التفاح" و"إينانا تتفاءل" و" في الغابة" و"على مسافة غربة" "فقدانات"وروايات أخرى.
وتحدثت الجبوري في هذا الحوار عن المؤسسات الإعلامية وما يجري في أروقتها على صعيد تقاليد العمل ومشكلاته.
كيف كانت بدايات المؤسسات الإعلامية بعد 2003؟
منذ الاجتياح الأمريكي للعراق في نيسان 2003 أنفقت ملايين الدولارات في العراق لدعم الإعلام العراقي وتنميته وتطوير مؤسساته، إن التحول من نظام شمولي إلى نظام ديمقراطي يحتم إجراء تغييرات مؤسساتية، بمعنى البناء المؤسساتي ينبغي أن يكون منسجما وفكرة التعددية والديمقراطية وحقوق الإنسان الأفكار والنوايا لا تعني شيئا بدون روية وأدوات تنفيذ.
للأسف الشديد لم تكن هذه الروية، أو الفلسفة، أو لنقل لم يكن هناك من سياسات واضحة ليس في الإعلام فقط بل في مجمل مفاصل بناء الدولة العراقية بعد 2003.
اعتقد أن هذه مشكلة جوهرية لم تتم معالجتها برغم مرور ما يقرب من 13 عام على ما أطلق عليه بالتغيير، لهذا ترى ما تراه الآن من عنف متواصل وفقدان أجزاء كبيرة من البلد وظهور داعش وأخواتها.
ما هي أسباب فشل المؤسسات الإعلامية؟
العوائق هي ذاتها التي تمنع ظهور أحزاب سياسية ذات سياسات واضحة ومشروع وطني لأمور لا يمكن تجزئتها، ما أتحدث عنه يكمن في معنى التغيير، واليات التغيير، فالانطلاقة كانت خاطئة.
بعد أن قدمت مبالغ ضخمة لدعم الإعلام العراقي وعندما تنظر بعد كل السنوات التي مضت والأموال التي أنفقت، لا تجد غير بعض الواحات في صحراء موحشة مخيفة ممتلئة بالشوك والضواري والسلابة، فالأموال كانت لنشاطات وأعمال وهمية.. وهو صورة أو نموذج مصغر لما حدث للدولة العراقية بعد 2003 وهذا إحدى أسباب الفشل أيضا.
أين ذهبت هذه الأموال التي خصصت للمؤسسات الإعلامية ؟
أنا أسأل: أين المليارات التي خصصت لإعمار العراق؟ لماذا لا توجد مدارس كافية للطلاب ولماذا المدارس الطينية صامدة حتى يومنا هذا؟ ولماذا توجد صفوف دراسية بسبعين وثمانين طالب يجلسون على الأرض؟ ولماذا ولماذا؟.
ذهبت الأموال إلى أشخاص وجهات غير معنية بالإعلام، إن لم اقل سماسرة، مشاريع وهمية، ورش وتدريب غير حقيقي ولأشخاص حياتهم وحراكهم قائم على التنقل والاعتياش على مصروف الجيب الذي كانت تغدقه تلك الجهات على المشاركين ببرامج التدريب، والتي لم تنتج غير فيما ندر ما كان مطلوبا أو متأملا منها.
والفساد المالي لا يتعلق بالداخل،الفساد ينطلق من تلك المنظمات العالمية وصولا إلى اصغر منسق في برنامج.
هل يمكن القول أن المؤسسات الإعلامية أصبحت مؤدلجة؟
أولا علينا أن نسال السؤال التالي: من هي وسائل الإعلام تلك؟ إن دققت بهوية الوسائل والمؤسسات الإعلامية سنجد أنها ممولة من أحزاب، نعم أحزاب بالسلطة.
اغلب المؤسسات الإعلامية الموجودة في الساحة حاليا من فضائيات ومحطات إذاعية وصحف ووكالات مملوكة لأحزاب أو شخصيات متنفذة.
ما أريد قوله أن ما موجود في العراق حاليا هو مؤسسات دعاية، أما المؤسسات الإعلامية فهي نادرة، وتأثيرها لا يكاد يكون موجودا، الإعلام المهني في العراق غريب مثل النزاهة في مؤسسات الدولة العراقية بعد 2003.
كيف يوثر المال على المؤسسات الإعلامية؟
لا يمكن للمؤسسات أن تحرك ساكنا لان المال هو المتحكم في سير العملية الإعلامية، فهل تعتقد أن التمويل لا يوثر بطريقة أداء المؤسسة الإعلامية؟
إذا كان من يملك هذه المؤسسات لا يتورع عن تسقيط خصمه السياسي وتلفيق التهم، فكيف تريد أن يكون الشكل الذي عليه المؤسسة التي يقودها.
والمشاريع الإعلامية في العراق تنطلق قبل موسم الانتخابات بعامين أو عام لتمهد للحملات الدعائية للجماعة التي تنوي الدخول إلى العمل السياسي، وهنا تتحول الوسيلة إلى مركز دعائي بكل ما تحمله الدعاية من ترويج أو تشويه أو تسقيط.
ما الذي ينبغي أن تقوم به التشكيلات النقابية والجهات التي ترعى الإعلام؟
حسنا ما يجب أن تقوم به ينبغي أن يكون على أكثر مستوى:
المستوى الأول: يتعلق بالتشريعات والقوانين المعمول بها حاليا أو تلك التي تدور في أروقة مجلس النواب ومجلس الوزراء وشورى الدولة، ينبغي أن تكون التشريعات منسجمة مع فكرة الديمقراطية وروح الدستور العراقي الذي أباح التعددية الحزبية والنقابية وحرية التعبير
المستوى الثاني: يتعلق بالمؤسسات وأهمية أن تلتزم المؤسسات الإعلامية بمدونات تنظم العلاقة ما بين العاملين بالمؤسسات الإعلامية، والمؤسسة من حيث الحقوق والواجبات، وان تكون لكل مؤسسة مدونة ليست على الورق وإنما في الضمير، تحكم نتاج تلك المؤسسة فيما يتعلق بالمسؤولية الأخلاقية التي يجب أن تحكم كل ما تنتجه المؤسسة من مواد اتصالية
المستوى الثالث: وهو مهم جدا يتعلق بالتدريب والتطوير الذي ينبغي أن يحصل عليه الإعلاميون والإعلاميات، حتى المهنيون منهم يجب ان يحصلوا بين فترة وأخرى على تحديث أو قرص لتحديث مهاراتهم في هذا الجانب أو ذاك.
ينبغي بل يجب على المنظمات والمؤسسات والجمعيات التي تقدم نفسها كراعية ومساندة للإعلام في العراق أن تسهم في تلك الجوانب التي تقع في بيئة تشريعية وبيئة العمل التي تشمل حقوق وواجبات الإعلامي ومسؤولية المؤسسة الأخلاقية إزاء الجمهور وإزاء العاملين فيها الذين يحتاجون الحماية القانونية والمهنية والتدريب والتأهيل المستمر.
هل يمكننا القول أن المؤسسات الإعلامية غدت مؤسسات تجارية؟
نعم بعضها مؤسسات للتجارة وللتربح حتى أن عددا ليس بالقليل أساء لمهنة الإعلام، في الوقت الذي يجب أن يساند ويدعم الإعلام، لكن هذا لا يعني عدم وجود أصوات حقيقية ومؤسسات وان كانت متواضعة في إمكانياتها المادية.
من تجاربي العملية هي أن لي صديقة، كلفتها جهة ما لإصدار مجلة، حدثتني عن المشروع منبهرة بالحرية التي منحت لها في الكتابة ووعد بقلم عريض وغيرها من الحريات، أن لا يتم التدخل بتوجهات المطبوع وبالمواضيع المنشورة، سألتها عن التمويل فأجابت عن الجانب الذي تعرفه، بعد مدة ظهرت تحقيقات ممتازة فتوجهت بالسؤال لتلك الصديقة، هذه التحقيقات الممتازة والمهنية والجيدة، ألا تلاحظين أنها منصبة على جهات سياسية بعينها؟ تنتمي إلى مكون بعينه؟ قالت: نعم.. قلت: النماذج التي عرضتها التحقيقات صحيحة لكن يوجد ما يماثلها من تلك الجهة على الأصعدة ذاتها؟ قالت لم افهم ما ترمين من كل هذا؟
قلت: لو كان المطبوع بالصورة التي تعتقديها فيجب تناول الظاهرة بأكملها وليس جزءا منها، وبالفعل بدا المطبوع وانتهى ولم ينشر أي شيء يمس ذلك الطرف السياسي.
لكن القلم الحر لا يشترى، لا يوجد إعلامي مهني ذا صوت حر يمكن أن يكون له ثمن.
ويؤسفني وجود بعض الأقلام المهنية في مشاريع تبدو مهنية لكنها وفي لحظة ما تتحول إلى نقطة لانطلاق سعار طائفي أو حزبي، حينها يجد الإعلامي أو الإعلامية "اللامع واللامعة" في موقف يحتم الخروج من المستنقع الذي لم تنفع معه المعطرات والزهور من تبديد رائحة تعفنه أو عفونته.
ما الذي ينبغي عمله في المستقبل؟
ينبغي أن ندعم هذه الواحات الثلاث (المستويات التي ذكرناها) ونجعل وجودها قويا ومؤثرا، و الطريق طويل لهذا الأمر، لكن يمكن أن تكون هذه الواحات ملاذا للأصوات الحرة وللإعلاميين والإعلاميات المهنيين والمهنيات.
وثمة بوادر أمل في مشاريع تدريب أنتجت إعلاميين وإعلاميات، صحيح أن عددهم مازال ضئيلا مقارنة بالآلاف من الطارئين، لكن في النهاية هؤلاء خميرة الإعلام العراقي والمؤسسات التي نطمح لرؤيتها مستقبلا.
لا يمكن أن يكون من وجود لـ"مؤسسات إعلامية" بالمعنى الحقيقي من دون وجود مؤسسات حقيقية في الدولة، لا يمكن أن يكون وجود لمؤسسة إعلامية في ظل وجود مجتمع يعيش مرحلة ما قبل الدولة.