اجراءات لإنقاذ الصحف اليومية الأردنية
الصفحة الرئيسية > أخبار وملفات > اجراءات لإنقاذ الصحف اليومية الأردنية...
نقلا عن الحياة
لن تكفي مبادرة الحكومة الاردنية زيادة تعرفة إعلاناتها ومضاعفة عدد اشتراكات الوزارات لإنقاذ المؤسسات الصحافية من أزماتها المالية الخانقة والمفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها خطر الاغلاق.
هذا التحرك المتأخر أقرب إلى «ذر الرماد في العيون» بحسب ما عنونت صحيفة «الرأي» شبه الرسمية (تملك مؤسسة الضمان الاجتماعي اكثر من 55 في المئة من اسهمها) وكانت الى حد قريب واحدة من أكثر المؤسسات الصحافية التي تحقق أرباحاً سنوية.
ويتفق رؤساء تحرير حاليون وسابقون على أن التدخل الحكومي الاخير يظل نقطة في بحر مائج قياساً بحجم الأزمة الطاحنة التي تعصف بـ»الرأي» وشقيقتها «الجوردان تايمز» إضافة الى «الدستور» والتي تملك مؤسسة الضمان الاجتماعي أكثر من 33 في المئة من اسهمها و «العرب اليوم» (تمويل خاص). يستثنى من ذلك صحيفة «الغد» (الخاصة) التي سجلت ربحاً طفيفاً عام 2014. خطوة الحكومة قد تمكن القائمين على غالبية الصحف من إرجاء الإنهيار لأشهر عدة، ما لم تنزع لإعادة الهيكلة أو مواجهة خيار الإفلاس.
نعم، هذه هي الحقيقة المؤلمة، لكن من هي الجهات التي ساهمت في حفل إعدام الصحف؟ حزمة عوامل موضوعية ومهنية: تداخل المرجعيات التي تدير ملف الإعلام بعد إلغاء وزارة الإعلام على الورق قبل عقد، والتراجع عن الإصلاحات السياسية وحرية الرأي والتعبير في البلاد، كما هو حال غالبية الدول، تحت مسمى حماية الأمن الوطني من تحديّات الإرهاب العابر للقارات. أضف إلى ذلك ارتفاع أسعار الورق في السوق العالمية وتراجع الطلب على المطابع التي كانت ترفد هذه المؤسسات بجزء كبير من الأرباح لتغطية نفقاتها التشغيلية.
كعكة سوق الإعلان تتضاءل بتسارع وسط تراجع قدرة المواطن الشرائية وانتشار إذاعات ال (إف إم)، والفضائيات ومنصات الفضاء الانترنتي. والأهم، عزوف الكثير من القرّاء عن قراءة الصحف بسبب سياسات التحرير المبنية على خطب رضا المسؤول وتجاهل نبض الناس.
وفي الذاكرة ملفات مصيرية وأخبار مهمة تغيّب بدعوى «الأمن القومي» أو حماية المصلحة الوطنية أو سرية العمليات العسكرية والجهود الديبلوماسية والمحافظة على علاقات جيدة مع الدول الحليفة والصديقة! وهكذا ارتحل القرّاء إلى الإعلام المجتمعي و 280 موقعاً إخبارياً، غالبيتها تنزع نحو الإثارة على حساب المهنية. هل الوضع قابل للإنقاذ؟ ممكن. لكن ذلك يتطلب التضحية بعشرات الصحافيين – الحمل الزائد الناتج من تعيينات نفعية ومصلحية – ساهمت بها المؤسسات الرسمية والسيادية. وكذلك تغيير عقلية القائمين على هذه المؤسسات، لا سيما إن «خريف الصحافة» بدأ يتلبد في الأفق في أميركا وأوروبا منذ عقد، من دون أن يتحسب رؤساء التحرير هنا لما هو قادم.
بل انهمك غالبيتهم في الحفاظ على الوضع القائم وتعظيم المكاسب. لم يكترثوا لثورة الانترنت، وتطبيقات الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي و «المواطن الصحافي» التي غيّرت إلى الأبد وجه الصحافة الورقية باتجاه الفضاء الرقمي. ما تمر به مؤسساتهم اليوم هي ذات العاصفة التي واجهت كبريات المؤسسات في الولايات المتحدة، وأوروبا وآسيا. لكن الفرق بيننا وبينهم أن غالبية المؤسسات في الخارج بحثت خارج الصندوق لاجتراح حلول واقعية بحثاً عن طوق نجاة لتغطية نفقاتها وضمان ديمومتها.
ولجأت لتسريح مخضرمين ذوي الأجور العالية مقابل مكافأة نهاية خدمة مبكرة. ثم أدخلت صحافيين شباب متعددي المهارات قادرين على تحميل الأخبار عبر وسائط متعددة (ملتيميديا)، صوت وصورة وكلمة، في تغيير للمنتج الإعلامي. وبالتزامن، أخضع من تبقّى من الجيل القديم لتدريبات مهنية وتقنية حتى يلتحقوا بركب الشباب ويخدموا المنصات المتداخلة. ثم ركزّوا على تطوير مواقعهم الالكترونية وفصلوها تحريرياً عن النسخة الورقية، وفعّلوا خدمة الاشتراكات لدخول هذه المواقع وتصفحها وتحميل المواد بالتوازي مع تقديم باقة خدمات جديدة يطلبها القرّاء أو تواكب التغير في آليات عمل سوق الإعلانات؟ فدخل على الخط مفهوم الإعلان الالكتروني. ثم شرعت هذه المواقع في نشر/ بث أخبارها بنسخ مكتوبة، إذاعية ومتلفزة، فضمنت بقاءها، أقلّه عبر تغطية نفقاتها الرئيسية.
موقع صحيفة «الغارديان» الالكتروني (بريطانيا) بات اليوم أيقونة لمتطلبات صناعة الإعلام الجديدة وإن كان ايضاً يواجه تحديات مالية حال موقع بوليتيكن الدنماركي. والحبل على الجرار. هناك أيضاً تجربة تلفزيون (فايس) عبر الانترنت بإدارة شباب دون الثلاثين في بريطانيا، وهو يستقطب أكثر من أربعة ملايين مشاهد. عربياً كانت صحيفة «المصري اليوم» (ملكية خاصة) من رواد التطوير لمواجهة الأزمة المالية.
سارعت لتعديل قاعدة القراء وفق اهتماماتهم وأدوات التواصل، بعد أن اكتشفت أن ستة من كل عشرة قرّاء يتصفحون محتواها من خلال الموبايل. طوّرت موقعها الالكتروني بسواعد شباب ثم استحدثت موقعاً مسانداً (المصري لايت)، لتقديم وجبة أخبار خفيفة تثير شهية الشباب عبر تطبيقات الهواتف الذكية و»صحافة اللوائح». وبعدها بأسابيع أطلقت موقع «شارك» للمواطن الصحافي، بحيث تنشر صوراً وأخباراً يرسلها أي مواطن، بعد أن يحرّرها صحافيون محترفون.
كما فعّلت الصحيفة دور مركز التدريب الإعلامي ليوفر دخلاً اضافياً. بالإمكان أخذ العبر والدروس مقابل الاشتراك أو التحميل بعد الدفع يحصل المشترك أو المتصفح على باقة أخبار شافية وافية، تحليلات وتحقيقات استقصائية في العمق تعكس آراء جميع الجهات وليس موقف الحكومة فقط. يتابعون مقالات رأي لكتاب زوايا يمثلون جميع التلاوين السياسية: معارضة وموالاة وما بينهما من مواقف تنتقد الخطاب الرسمي والفساد وهدر المال العام.
مواقع وصحافيون لا يعملون تحت سيف الرقابة أو يجيرون أقلامهم لخدمة أجندة الحكومة والمؤسسات السيادية، بل يمارسون دورهم كسلطة رابعة: حارس لمصلحة الشعب والمجتمع وصوت الضعفاء والمقهورين وأداة لمحاسبة المسؤولين عن أقوالهم وأفعالهم في دولة القانون والمؤسسات. في الأردن، حيث يختلف الوضع جذرياً إنقاذ بعض اليوميات لا يزال ممكناً. لكن ذلك يتطلب تقليص النفقات التشغيلية من خلال تسريح 60 في المئة من كادرها الصحافي. هذا خيار شبه مستحيل لأن الثقافة الاجتماعية لا تسمح بذلك.
ولأن نقابة الصحافيين ستكون أول المعارضين. التسريح يتطلب أيضاً دفع مكافآت نهاية خدمة مبكرة مجزية لا تملكها هذه المؤسسات. كذلك تتطلب إعادة الهيكلة أن يتقبل رؤساء التحرير ومجالس الإدارات الحقيقة المرة بأن واقع الصحافة قد تغير إلى الأبد. كبداية، عليهم التضامن مع موظفيهم من خلال تقليص رواتبهم العالية وتطوير المواقع الالكترونية ورفع سقف الأخبار والتحقيقات ومقالات الرأي ورفض الأوامر التي تأتيهم من متنفذين.
بأمكان مؤسسة الضمان الاجتماعي أن تدفع باتجاه دمج «الرأي» و «الدستور» لكن عليها ايضاً ان تكشف هدر الاموال الذي طاول بعض مرافقها. والأهم على رؤساء التحرير التحرر من عقدة الرد على الاوامر التي تصلهم عبر الهاتف يومياً حتى لو أدّى ذلك إلى إقالتهم في سبيل كشف الحقيقة. وعليهم فتح مؤسساتهم لكتاب يمثلون الطيف السياسي، ضمن مظلة الدستور وليس حصرها بجوقة الكتاب المرضى عنهم.
وأيضاً توسيع قاعدة مشاركة رؤساء الأقسام في تحديد الخط التحريري في إطار أخلاقيات المهنة، والعمل ضمن المحددات القانونية بين حق النقد المتاح والمباح بدلاً من تقييد مؤسساتهم خلف خطوط حمراء وهمية. حبل الإعدام اليوم يبدو ملتفاً حول الجسم الصحافي الأردني، وإجراء الحكومة التجميلي لن ينقذ هذا القطاع، الذي يغرق تحت وطأة سياسات تحريرية متكلسة وشروط الحكومات وجهات سيادية كسرت الجدار بين الصحافي والبوق الإعلامي.