الأخبار الكاذبة والتضليل في الإعلام الجديد... كيف يمكن كشفهما؟
الصفحة الرئيسية > أخبار وملفات > الأخبار الكاذبة والتضليل في الإعلام...
وسط الكم الهائل من الأخبار والمعلومات التي تنشرها المواقع الإخبارية وغيرها من المنصات الرقمية، تنتشر الكثير من البيانات المغلوطة - المضللة أحياناً - التي يهدف بعضها لتحقيق غايات سياسية أو ثقافية أو اقتصادية.
في الوقت نفسه، يفتقر المستخدم إلى امتلاك آلية يستطيع من خلالها التحقق من صحة ما يتلقاه ليل نهار من معلومات، قد تشكل إدراكه، وتعيد رسم خارطة وعيه بصورة تؤثر على قراره وسلوكه وتوجهاته مستقبلاً، ومن ثم يصبح فريسة سهلة لهذه الممارسات.
وبالنظر إلى حجم من يقف وراء نشر تلك المعلومات، التي قد تصل أحياناً إلى أجهزة مخابرات دول بأكملها، فضلاً عن الأهداف التي تسعى لتحقيقها، كان البحث عن وسائل كشف هذا التضليل - متعمداً كان أو غير متعمد - غاية ينشدها مستخدمو العالم الرقمي بشتى وسائله.
السؤال الذي يفرض نفسه بقوة الآن هو: كيف يمكن للقارئ أو المستخدم التحقق من صحة ما ينشر عبر وسائل الإعلام الجديد؟ وما هي الآليات التكنولوجية المتاحة لكشف زيف بعض ما ينشر سواء كان كلاماً مكتوباً أو صورة أو مادة مرئية؟
يبدو أن مفهوم التضليل الإعلامي كمخطط تلجأ إليه الحكومات لحشد الرأي العام حيال قضايا بعينها، أو تشكيل الوعي المجتمعي نحو توجه معين يخدم مصالح تلك الحكومات، ليس وليد اليوم، بل هو إستراتيجية قديمة متجددة.
وتلفت نور سلمان، الباحثة في الدراسات الإعلامية والثقافية، في بحثها المنشور بمجلة مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة الإماراتي، عدد يناير 2017، إلى أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي من أسبق الدول التي لجأت إلى هذا الأسلوب الذي يعتمد على نشر أخبار كاذبة بهدف تضليل الشعوب لتحقيق مآرب سياسية، لا سيما خلال الحرب الباردة.
والتضليل الإعلامي بحسب تعريف "جيمس فيتزر" الأستاذ بقسم الفلسفة، جامعة مينيسوتا، بالولايات المتحدة الأمريكية، هو نشر وتأكيد معلومات كاذبة أو مغلوطة بصورة متعمدة، بهدف الخداع، لكنه أشار إلى أن المعضلة الأساسية في قضية التضليل وجود النية المسبقة لدى القائمين به للتلاعب بوعي الجماهير.
ترامب نموذج التضليل العصري
أشار الباحث الأمريكي آرثر جولدهامر، الأستاذ في مركز الدراسات الأوروبية في جامعة هارفارد، إلى أن ما فعله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال حملته الانتخابية الرئاسية لدى نشره معلومات مغلوطة، وبيانات مزيفة، يعد النموذج الأكثر فجاجة لمفهوم التضليل المتعمد في العصر الحديث.
حساب ترامب على "تويتر" الذي يضم نحو 21 مليون متابع، نجح بحسب المواقع الإخبارية، والمراكز البحثية، من خلال ما ينشره من آلاف التغريدات المزيفة، في التفوق على ما يتم نشره عبر المواقع الصحفية الكبرى، ذات الثقة العالية.
اعتمد الرئيس الأمريكي الحالي، بحسب جولدهامر، في حملته على نشر أخبار مشكوك في صحتها، إذ كثير منها غير موثق سواء من حيث المصدر أو التاريخ، في ظل كميات كبيرة من التغريدات والأخبار المتداولة، وهذا ما قلل من إمكانية المستخدمين التيقن من صحة ما نشر، وساهم في تسويق توجهاته بالشكل المطلوب على حساب منافسيه.
أربعة أسئلة تكشف صدق المادة من عدمه
وبيّنت كلير واردل، الباحثة في مركز Tow Center بجامعة كولومبيا، والخبيرة في التحقق من مصادر المعلومات المنشورة على المنصات الرقمية المختلفة، في ورقة بحثية لها، أربعة أسئلة يجب على كل من يتعرض لأي محتوى عبر وسائل الإعلام الجديد أن يجيب عنها أولاً للتأكد من صحة ما يعرض عليه.
السؤال الأول: هل المعلومة المقدمة أصلية أم مزيفة؟ وهذا يتطلب التحقق من صدقية الصفحات التي تنشر المادة، إذ إن العديد من الصفحات التي تنشأ لحسابات مزيفة، يجعل التحقق من صحة تلك الصفحات أمراً في منتهى الأهمية، خاصة أن بعض المزيفين على المواقع المختلفة يلجأون إلى وضع علامة زرقاء، بجوار اسم الصفحة كإحدى العلامات الدالة على أن هذه الصفحة هي الرسمية للشخص، وهو ما يمكن كشفه من خلال الوقوف بـ"الماوس" على تلك العلامة، فإن ظهرت كلمة "Verified account" أو "حساب موثّق" فهذا يهني يعني أن الحساب صحيح، وإلا فهو حساب لم يتحقق من صحته بعد.
السؤال الثاني: من الذي قام بنشر المادة؟ هذا يتطلب معرفة الشخص الذي قام برفع المادة أيا كان مضمونها على الإنترنت، خاصة أن المعلومات المنشورة بدون مصدر تفتقد الكثير من الصدقية، لذا لا بد من توجيه بضعة أسئلة للمصدر، ومن خلالها يمكن معرفة ما إذا كان هو الناشر أم لا، كما يمكن مطابقة إجاباته عن بعض الأسئلة المتعلقة بالمعلومات المتوفرة عن الصورة والفيديو مثلاً، خاصة التاريخ والموقع، كما سيرد لاحقاً.
السؤال الثالث: متى تم نشر أو إنشاء المادة؟ هناك بعض الوسائل التي يمكن من خلالها التحقق من زمن النشر، منها استخدام المعلومات الخاصة بأحوال الطقس إن كانت المادة المنشورة صورة مثلاً، وذلك عن طريق المحرك البحثي "Wolframalpha"، حيث يمكن السؤال عن حالة الطقس في منطقة ما في تاريخ محدد، وليكن مثلاً: What was the weather in Cairo on 25 September 2016، ومن خلال الإجابة التي تحتوي بيانات الطقس في هذا المكان والتاريخ، يمكننا التعرف بنسبة معينة على صحة الصورة، فلو أن في الصورة المنشورة أمطاراً أو غيوماً، وكان تاريخ النشر في الصيف، فمن الصعب تصديقها، والعكس صحيح.
السؤال الرابع: في أي مكان نُشرت المادة؟ يمكن معرفة الأماكن التي نُشرت فيها المادة أو موقع التقاط الصورة أو الفيديو، وتحديده بعد كتابة اسم المكان المذكور في المادة أو في الصورة أو الفيديو على بعض المواقع ليتم الحصول على المعلومات المنشودة. فلو جرى نشر المادة مثلاً في منطقة بمحافظة الجيزة بمصر، فيمكن التأكد من هذه المنطقة من خلال الدخول على موقع http://wikimapia.org/، وكتابة اسم المنطقة، ومن ثم الحصول على المعلومات المطلوبة، ويمكن اعتماد الطريقة نفسها في Google Earth.
ماذا عن مصدر المادة؟
ليس خافياً أن الفشل في تحديد هوية مصدر المعلومة المنشورة في الإعلام الرقمي هو أحد أبرز المقومات الداعمة لمخططات التضليل الإعلامي المتعمد، لذا كان تحديد اسم المصدر وهويته وكينونته من الأهمية والخطورة بمكان، لأن ذلك يقودنا إلى معرفة المنشورات أو العكس، خاصة أن معلومات كثيرة تنشر تحت أسماء وهمية أو غير ذات صفة بالنسبة للمستخدم.
علماً أن شبكة BBC البريطانية أجرت عدة دراسات ومبادرات للحيلولة دون انتشار الأخبار الكاذبة عبر وسائل الإعلام المختلفة، كما أنشأت فريق عمل متخصصاً في البحث عن هذه المواد ووضعها تحت معايير الاختبار والتحقق، ثم فضح الكاذب منها عبر أدلة تصدر بصورة دورية. كذلك أجرت دراسة شاملة عام 2013 حول المحتوى المقدم خلال فترة الربيع العربي في الدول الخمس (تونس – مصر – ليبيا- سوريا – اليمن)، وفحص كل ما تم تداوله من معلومات وصور وفيديوهات، على نحو يساعد الملتقي في معرفة حقيقة ما يتلقاه من مواد ليل نهار.
كشف زيف الصورة والفيديو
"بصرف النظر عما إذا كان الموقع الإخباري قد تسرع في نشر هذه المعلومات المغلوطة بدافع تحقيق السبق الإعلامي وزيادة الربح العائد من الترافيك، أو أنه نشرها عمداً لتحقيق أهداف معينة، فبإمكان الجمهور مراجعة العديد من الآليات للتحقق من مدى صدقية هذه المعلومات". بهذه الكلمات استهل خبير الإعلام الرقمي الدكتور سامح يوسف، أستاذ الإعلام الجديد بمعهد الإدارة العامة بالرياض، حديثه معلقاً على آليات التصدي لحملات التضليل المتعمد في الإعلام الجديد.
وقال يوسف لرصيف22 إن البيئة الرقمية الواسعة تحتوي العديد من النوافذ والخيارات الإعلامية، كما أن الجمهور لم يعد هو الجمهور الذي يتلقى المحتوى الإعلامي على أنه موضوع غير قابل للمناقشة، لافتاً إلى أن التحقق من صدق المحتوى الإعلامي لم يعد خياراً مهماً للجمهور فقط، وإنما كذلك للصحفيين والإعلاميين أنفسهم قبل نشر محتوى غير دقيق.
وأشار إلى وجود بعض الآليات المهمة للتحقق من المحتوى الإعلامي بمفرداته المتنوعة، لا سيما الصورة والفيديو. فمن أجل التحقق مما إذا كانت الصورة نشرت من قبل، هناك بعض المواقع المتخصصة في ذلك، منها موقع https://www.tineye.com، حيث يتم رفع الصورة المراد البحث عنها، ليظهر الموقعُ الأماكن التي نشرت فيها من قبل، وتاريخ نشرها، وبعض التفاصيل الأخرى المتعلقة بحجمها.
*عن رصيف 22