التهديدات عبر الشبكة العنكبوتية تؤرق الصحافيين
الصفحة الرئيسية > أخبار وملفات > التهديدات عبر الشبكة العنكبوتية تؤرق...
ترجمة سارة الراوي
أطلق المعهد الدولي للصحافة (IPI) مشروع على الخط (On The line)، لتوثيق المضايقات والانتهاكات الإلكترونية التي يتعرض لها الإعلاميين بعامة والصحافيين منهم بخاصة.
ويسعى المشروع إلى رصد الانتهاكات والتهديدات ضد حرية الصحافة وحرية التعبير في المجال الرقمي، المنتشرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي تزايدت وتيرتها في السنوات القليلة الماضية، وشكل بعضها "تحدياً خطيراً وصل إلى تهديد الحياة.
وتشمل التهديدات التي يسعى مشروع "على الخط" كشفها وفضحها، التهديد بالعنف، بما في ذلك القتل أو غيرها، السلوك المسيء، بما في ذلك التحرش الجنسي أو غيره، المراقبة والتعقب الالكتروني، حملات التشهير ونشر مواد تشهيرية أو كاذبة، قرصنة الحسابات ومنع الوصول إلى المعلومات، فضلاً عن التهديدات القانونية "غير المناسبة"، بما فيها بالإجراءات الجنائية أو المدنية، وتسجيل طلبات غير مناسبة.
ويعمل المعهد على تعزيز وحماية حرية الصحافة في أي مكان يتعرض للتهديد، عن طريق، الاحتجاجات المكتوبة، رسائل مفتوحة تنشر عبر وسائل الإعلام التقليدية والجديدة، لرفع الوعي الدولي لتعرض الصحافيين للخطر، وإظهار أنه "لن يتم التسامح" مع مثل تلك الأعمال.
والعمل مع حكومات الدول حيث حرية الصحافة مهددة، سواء من خلال المراسلات أم عن طرية بعثات تلك الدول، للتعبير عن القلق والضغط على تلك الحكومات لاتخاذ خطوات لوضع حد لانتهاكات حرية الصحافة، إضافة إلى العمل مع أصحاب المصلحة الآخرين، كالمنظمات الدولية وجمعيات المجتمع المدني، بهدف حصول التغير.
ففي أواخر 2014 طوّر معهد الصحافة الدولي برنامج On The line بهد رصد الخروق الالكترونية ضد الصحافيين ومساعدة اولئك الذين يتعرضون للهجوم الرقمي، ويطبق المشروع حالياً تجريبياً في كل من تركيا والأردن، حيث أعطى فرصة لمقابلة قرابة 70 صحفياً، غالبيتهم من النساء، اختيروا من البلدين بالتساوي، ما أتاح فرصة لقاء صحافيين من ذوي التجارب المختلفة في الأيديولوجيات والمناطق.
اثناء مراجعة المقابلات لوحظ وجود عامل مشترك بين الصحافيين، هو رفض اعتبارهم ضحايا أو أبطال، وبغض النظر عن مدى الخوف الذي يشعرون به بسبب التهديدات بالقتل الموجهة إليهم من خلال وسائل التواصل، في أيام معينة، إلا أنهم يستيقظون في صباح اليوم التالي عازمين على مواصلة عملهم. وغالباً ما يأتي هذا بعد اضطرارهم القبول بإجراءات أمنية مشددة تجعل أي شخص يفكر مرتين قبل الاستمرار في عمله.
عند دراسة آثار الهجمات الرقمية، فإن من الضروري معرفة أن الطبيعة العنيفة للتهديدات غالباً ما تكون ذات وقع نفسي حاد على الصحفيين، وينطبق ذلك بالتحديد عند تهديد الصحفيات بالاغتصاب أو العنف الجنسي.
كما أن كون المهاجمين المسؤولين عن هذا السلوك السيئ، مجهولين يضيف سبباً آخر للقلق، فخلافاً للتهديدات القادمة من أشخاص معروفين، تأتي هذه التهديدات من حسابات وهمية، ما يترك الهدف يخمن ما إذا كان التهديد يعتد به، بالاضافة إلى كيفية التعامل مع عدم وجود معلومات بشأن هوية المهاجم وشكله، فضلاً عن عدم القدرة على التنبؤ بوقت حدوث الهجوم.
خلال مظاهرات الجيزي بارك، في اسطنبول عام 2013، قال العديد من الصحافيين الذين غطوها بأنهم استهدفوا بتهديدات بالقتل على موقع تويتر، وبعض الصحافيين كانوا يتلفتون يمينا ويسارا عندما يغطون حادثة التظاهرات، بعد اعادتهم إلى الجيزي بارك، حتى أن أحد الصحافيين قال إن رئيس التحرير اضطر إلى منعه من مواصلة تغطية الخبر بعد الكم الكبير من التهديدات بالعنف الجسدي ضده.
ومن المهم أيضا ملاحظة أن وسائل التواصل الاجتماعي، من الفيس بوك وتويتر وانستغرام وبيرسكوب بالإضافة إلى VK وغيرها، أصبحت أدوات مهمة ولا غنى عنها في إنتاج الأخبار، ولم يعد العمل في مواقع التواصل الاجتماعي خيارا قائما للصحافيين خصوصا في حال العمل لحسابهم الخاص، إذا كانوا يرغبون الانتشار على نطاق واسع.
وكنتيجة لذلك قال الصحافيون الذين تم الحوار معهم مطولاً، إنهم اضطروا إلى تطوير آليات خاصة للدفاع عن أنفسهم، فهنالك من يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بحذر في مجالات العمل، وامتنعوا عن نشر أفكارهم الخاص، في حين ذهب البعض الآخر إلى أبعد من ذلك، حيث امتنعوا عن نشر المواضع الحساسة التي تختلف باختلاف بلدانهم، كتلك المتعلقة بالدين أو السياسية وجهود مكافحة الإرهاب، وهنالك من توقف عن النشر تماماً، كما اختار البعض عدم الاكتراث أبداً، وذلك بعد أن تعرضوا لموجة كبيرة من الكراهية فاختاروا عدم اتخاذ أي إجراء حيال ذلك.
لكن ثقافة الصمت هذه مضرة جداً خصوصاً للصحافيات، ففضلاً عن استهدافهن بسبب تحقيقاتهن، فقد وجدوا بأنهن يُهددن غالباً فقط لأنهن نساء، وهذا يتضمن تهديدهم بالعنف الجنسي، وقد قالت بعض الصحفيات إنهن استُهدفن بـ doxing (إحدى طرق القرصنة حيث يتم الكشف عن بياناتهن الشخصية)، فنُشرت أسماء مدارس أطفالهن على الانترنت.
وقد عمدت الصحافيات إلى فضح أسماء من قاموا بالتحرش بهن، ما دفع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إلى دعمهن، لكن واحدة من القضايا التي سلطت المقابلات الضوء عليها، تتمثل بأن الصحافيين المستهدفين لا يعرفون إلى أين يمكن أن يتوجهوا بعد استهدافهم.
ويعلم الجميع أن معالجة التحرش والتعرض للأشخاص عن طريق الانترنيت بخاصة، مهمة صعبة، وإن أي حل يجب أن يكون متلائماً مع الحق في حرية التعبير، كما يجب أن يكون قد فكر مليا بمخاطر سوء استخدام الحكومة لها بغرض زيادة سيطرتها على الانترنيت.
ووفرت الكثير من منظمات المجتمع المدني للمنظمات الحكومية والدولية توصيات شاملة يمكن اعتبارها أدوات فعالة وخطوات ناجحة، في طريق مواجهة التحرشات والتهديدات السيبرانية التي يتعرض لها الصحافيون، لتحقيق أمنهم الرقمي (الوسائل التقنية والإدارية الخاصة بمنع الاستخدام غير المصرح به وسوء الاستغلال واستعادة المعلومات الالكترونية ونظم الاتصالات والمعلومات التي تحتويها بهدف ضمان توافر واستمرارية عمل نظم المعلومات وتأمين حماية وسرية وخصوصية البيانات الشخصية وحماية المواطنين من المخاطر في الفضاء السيبراني)، ومع ذلك فهنالك الكثير من الأمور التي يجب فعلها.
وقال أحد الصحافيين، إنه "لا يرغب بأن يُنظر له بكونه ضحية على الرغم من الاستراتيجيات التي استخدموها لمواجهة التحرش على الانترنيت والتهديدات التي تعرضوا لها لن تمنعهم من الخوض في مواضيع حساسة".
كما أنهم اتفقوا على أنه ليس من الضروري أن يكونوا أبطالاً مهما كنا نحترمهم ونحترم عملهم، إذ قال صحافي آخر، إن "ممارسة الصحافة ليست بطولة، فأنا أقوم بعملي وحسب"، لكن في ظل هذه الظروف هم الآن "أهدافاً" سواء رغبوا بأن يُنظر لهم بهذه الطريقة أم لا.
يذكر أن المعهد الدولي للصحافة، International Press Institute، هو شبكة عالمية من المحررين، ومديري وسائل الإعلام، وكبار الصحافيين، يهدف لتعزيز وحماية حرية الصحافة، وحماية حرية الرأي والتعبير، وتعزيز التدفق الحر للأخبار والمعلومات، وتحسين الممارسات الصحفية.
وقد تأسس المعهد عام 1950، ومقره العاصمة النمساوية فيينا، ويعتبر أقدم مؤسسة إعلامية في العالم تعمل على الدفاع عن الصحافة والصحفيين في 120 دولة حول العالم.