"التوك شو" العراقي.. استثمار الأزمات وتحشيد متفاوت في التأثير
الصفحة الرئيسية > أخبار وملفات > "التوك شو" العراقي.. استثمار الأزمات وتحشيد...
تنتشر العشرات من البرامج الحوارية والمعروفة بـأسم "التوك شو" في الفضائيات العراقية حتى اصبحت العلامة المميزة لها، واحد وسائل الفضائيات للانتشار الواسع واكثرها الحوارات السياسية، ولكن هذه البرامج تبتعد عن المهنية واصبحت سببا في اثارة سلبية للرأي العام.
واصبح المشاهد العراقي امام كم هائل من هذه البرامج التي تتناول قضايا سياسية وامنية آنية وترتكز على استضافة ساسة ومسؤولين غالبا ما يتبادلون التراشق والشتائم، ولكن في المحصلة اصبح لهذه البرامج شعبية واسعة بين العراقيين.
وتتباين اراء الخبراء واصحاب الشان في تقويم هذه البرامج وتاثيرها على المجتمع لكنها تجمع في الغالب على انها تلعب دورا سلبيا في اثارة الراي العام وتكرس الانقسام المجتمعي في ضل غياب ضوابط مهنية ذاتية، وضعف الثقافية المجتمعية في فرز الجيد من الرديء.
اكاديمياً، تكمن وظيفة البرامج الحوارية في كشف الحقائق واعطاء المعلومات والتحليلات الواقعية حول موضوعات تهم اكبر شريحة ممكنة من المشاهدين، كما يقول راضي رشيد حسن استاذ كلية الاعلام في الجامعة العراقية.
ويضيف ان هذه البرامح تسهم ايضا في التعريف على الشخصيات السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والمسؤولين الحكوميين وإبراز أفكارهم وتجاربهم وبالتالي تعطي صورة ذهنية لدى الرأي العام عن تلك الشخصيات.
وهذا الامر لا بد ان يؤدي الى التاثير في جمهور المشاهدين وتشكيل اتجاهاتهم، ويشدد راضي على ان "نجاح هذه البرامج يتوقف على عناصر مهمة ابرزها الاعداد الجيد للاسئلة وقدرة الاعلامي على الحوار والتفاعل".
برامج التوك شو فن اعلامي بات يمتلك شعبية عالميا، حتى اصبحت بعض هذه البرامج متابعة من قبل الملايين ومن مختلف الدول والجنسيات مثل برنامج "ذا دايلي شو" ومقدمه الشهير جون ستيوارت قبل ان يستقيل الصيف الماضي بعد 16 عاما من العمل في البرنامج ويخلفه تريفور نوا.
وما يؤخذ على برامج التوك شو العراقية تقليدها لبرامج عالمية وعربية، وهو في الغالب تقليد اعمى يركز على تصاميم الاستوديوهات وطريقة الاعداد اكثر من الاهتمام بالجوانب المهنية حتى اضحت مكانا للتسقيط السياسي والتشهير واستعراض كلامي للمشاكل السياسية والامنية.
واليوم بات التراشق بالالفاظ وحتى تبادل الشتائم ظاهرة اعلامية لافتة في برامج التوك شو اما المشاهد بات متابع شغوف ينتظر مواعيد عرضها اكثر من متابعته لنشرات الاخبار، ويرصد الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي ما تشهده هذه البرامج من مفاجئات تثير المتابعين ليعاد نشرها على فيس بوك وتويتر ويوتيوب بعد تقطيعها الى مقاطع وغالبا ما تحضى بمشاهدة عالية.
ويقول حامد السيد مقدم برنامج "ناس وحكومة" على قناة المدى ان اخطاء واسعة ومتفرعة تعاني منها البرامج الحوارية ابرزها تلك المتعلقة بضعف الاعداد وتأثر معدي ومقدمي البرامج بالاشاعة الى درجة ان بعضهم يعرضها على الضيوف بطريقة تجعلها اقرب الى الواقع منتجا سجال غير مهني وتراشق غير مفيد، وهو ما يحرف البرامج عن مسارها.
ويضيف حامد ان برامج التوك شو في العراق تحتاج الى جرأة في العمل الصحافي، والتزام بقواعد مهنية والتخلي عن اظهار توجهات ومواقف، لافتا الى ان امكانيات النجاح متوفرة لهذه البرامج لو انها قررت البحث عن الحقيقة التي يتطلع اليها المشاهدون بدلا من خيار تحويل دقائق البرامج الى تراشق بين اصوات متباينة ذات مواقف متطرفة تعمق الصراع.
ويرى مراقبون ان المال السياسي الذي يسيطر على وسائل الاعلام المقروء منها والمرئي نتيجة متوقعة لابتعاد البرامج الحوارية عن المعايير المهنية التي تتطلبها برامج التوك شو، وما دامت الفضائيات مملوكة لاحزاب وقوى سياسية ورجال اعمال لهم مصالح فمن الصعوبة ايجاد انتاج برامج حوارية قادة على الالتزام بالحد الادنى من المعايير المهنية.
وغالبا ما تستخدم الفضائيات برامج التوك شو للترويج عن مواقف سياسية، ولكن الاختلاف بطريقة الترويج لهذه المواقف، بعضها يعتمد على الاستعانة بضيوف يحملون نفس الافكار وتخرج الحلقة بحوار حميم بين الضيوف ومقدم البرنامج الذي يشارك ي ابداء رأيه ويحاول دعمه من خلال الضيوف، وبعضها الاخر يعتمد على السجال والاستعانة بضيوف معروفين بتناقض مواقفهم ومن كتل سياسية متصارعة يستخدمون الصوت العالي والنبرة المتطرفة في كلامهم.
ويقول الصحافي من البصرة مناف ابراهيم ان غالبية برامج التوك شو الحالية كرست من تشعر اولا تشعر للانقسام المجتمعي، لانها غالبا ما تركز على الجوانب الطائفية والقوية المثيرة للجدل وتعمد للتكرار فيها من دون مناقشة هذه القضايا بمهنية وواقعية، مضيفا ان الفضائيات العراقية لن تكون حيادية مهما حاولت لانها في الغالب مملوكة لاحزاب.
ولا ينكر مناف وجود بعض برامج التوك شو التي ساهمت بكشف الحقائق وشكلت تاثيرا ايجابيا على الرأي العام وانتشارا واسعا وساهمت في مناقشة قضايا حساسة ومختلف عليها بطريقة مهنية تستند على ضيوف متخصصين اداتهم الوثائق والحوار الهادئ بعيدا عن التشنج.
وهناك العشرات من البرامج الحوارية التي شهدها الاعلام العراقي طيلة السنوات الماضية، ولكنها الكثير منها توقف واندثر، كما ان بعض الفضائيات تلجأ الى انتاج برامج حوارية جديدة على انقاض اخرى بعد ان استهكلت او تراجعت شعبيتها، ولكن الجديد منها يبقى بنفس المستوى المهني السيئ مع تغييرات تشمل مقدمي هذه البرامج وديكورات الاستوديوهات مع حذف او اضافة فقرات مثل عرض تقارير تلفزيونية اثناء الحلقة.