الصحافة الورقية تخسر المواجهة
الصفحة الرئيسية > أخبار وملفات > الصحافة الورقية تخسر المواجهة
تتناقص المطبوعات ويتقلص عديد روادها، بالتزامن مع ثورة الانترنيت والإعلام الالكتروني، فهل تمر الصحافة الورقية في مرحلة موت سريري؟
لم يعد خافيا إن الصحافة المطبوعة بنوعيها الصحف والمجلات أبرز ضحايا التطور الالكتروني والرقمي العالمي.
وتشير الاحصاءات العالمية الى إن اعداداً كبيرة من المطبوعات اغلقت خلال العقد الماضي بعد تعرضها لخسائر مالية كبيرة.
وعلى الرغم من أن الصحف والمجلات لا تزال تصارع بشدة التكنلوجيا وتسايرها احيانا من خلال المواقع الالكترونية، الا إن المستقبل لا يحنل أخباراً سارة لمنتجي المطبوعات ومريديها، فالصحف الالكترونية والفضائيات والاذاعات سرقت سرعة الخبر والمعلومة من المطبوع.
تقول رشا وهاب، وهي صحافية من محافظة دهوك، إن "التكنلوجيا هي السبب الرئيس في تراجع الصحافة الورقيه، حيث اصبح الانترنيت الطريق الاقصر لمعرفة الاخبار والاحداث، وبدلا من الذهاب الى السوق لشراء الصحف اصبحت قراءة الاخبار ممكنة بكبسة".
رشا التي عملت مع صحف ورقية، اغلقت غالبيتها او تعرضت لازمات مالية. وتقول إن "هناك علاقة عكسية بين التطور الرقمي والمطبوعات، فكلما تطور الأول، تدهور الثاني، ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعية التي اصبحت تنافس مواقع الانترنيت على نشر الاخبار، تعرضت المطبوعات لانتكاسة اخرى".
وعلى الرغم من إن بعض المطبوعات من الصحف والمجلات العراقية خاضت الصراع مع التطور الرقمي لكنها الغالبية منها بقى مستسلما للثورة الالكترونية المتطورة بشكل متسارع، حيث أن هناك صحف ومجلات عراقية لا تمتلك مواقع الكترونية حتى اليوم".
وكشف تقرير الرصد الخاص بـ"بيت الإعلام العراقي"، يوم ٢٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٥، إن عدد الصحف التي تمتلك مواقع الكترونية بلغ (47) صحيفة من اصل (59) كانت محور الرصد.
وتبدو المشكلة أكبر في ما يتعلق بالمجلات، إذ أن عدد تلك التي تمتلك موقعاً الكترونياً (7) مجلات من أصل (18) مجلة كانت محور الرصد.
لكن امتلاك المطبوعات الورقية لمواقع الكترونية لا يكفي لتحقيق منافسة مكافئة، بل يجب إن تكون هذه المواقع تفاعلية ولا تقتصر على نشر اخبار بشكل يومي، وغالبا ما تكون محدودة، أو أنها متباعدة في توقيتات النشر.
ويشير تقرير الرصد الأول لـ"بيت الاعلام العراقي" الى إن عدد الصحف التي تجعل مواقعها الالكترونية تفاعلية وتنشر الاخبار على مدار الساعة وفور حدوثها (14) صحيفة من اصل (47) فقط، اما عدد الصحف التي تسمع لمتصفحيها على الانترنيت بالتعليق على الاخبار تبلغ (20) من اصل (47).
ميزة التفاعل
في عصر التطور الرقمي فان الافراد اصبحوا اكثر رغبة بالتفاعل مع ما يتلقوه من اخبار وحوادث سواء بابداء الرأي او تصحيح معلومة او الاضافة عليها، وهذا ما توفره المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي على عكس المطبوع الورقي الذي لا يتيح لقارئها هذه الميزة، إلا في نسب محدودة ومتواضعة.
ويقول مناف عبد الرضا، وهو صحافي من البصرة، إن "التطور الهائل الذي احدثته الثورة التكنلوجية وتحول قطاع الصحافة والاعلام الى الاستثمار الالكتروني من خلال الصحف والوكالات الالكترونية، اذا ما استمر بهذه الوتيرة فان الصحافة الورقية مهددة بالاندثار، وهي الان تمر في مرحلة تشبه الموت السريري".
ورأى عبد الرضا، إن "الخدمة التفاعلية وراء انحسار المطبوعات، فالمواقع الاكترونية توفر للقارئ التفاعل مع الاخبار كما توفر خدمات اخرى مثل الصور ومقاطع الفيديو وتطورات الاحداث على مدار الساعة وكل هذا يمكن الحصول عليه بجهاز الهاتف النقال الشخصي الصغير".
وعقدت العشرات من المؤتمرات الدولية طيلة العقد الماضي لمناقشة ازمة الصحافة المطبوعة ومستقبلها، لكن توصياتها لم تحصل على التفاعل المطلوب ولم يجري إثراؤها بنقاش جدي ومثمر.
ومن المقرر إن يعقد هذا العام مؤتمر جديد للصحافة المكتوبة في تونس في الربيع المقبل.
وتشير الورقة البحثية للجنة التحضيرية للمؤتمر إلى تنامي مؤشرات وتغييرات تشير إلى "نهاية الصحف"، ومن بين تلك المؤشرات تنامي تكلفة صناعة الصحف الورقية والتراجع المستمر للاستثمار في صناعة الصحافة وتسريح الصحفيين وأزمات مؤسسات صحفية انتهت بغلقها في مناسبات عدة، أو الاكتفاء بنسخة رقمية على غرار "نيوزوييك الأمريكية" أو "فرانس سوار" الفرنسية.
ولعل المؤشر الأهم الذي تسجله الورقة هو تراجع مبيعات الصحف (يوميات، أسبوعيات، مجلات شهرية) في الكثير من الدول الصناعية المتقدمة وغير الصناعية، ولكن في بعض دول البلدان الثالث فان التراجع في المبيعات محدود والسبب هو تراجع هذه البلدان في المجال الرقمي.
ويقول قاسم محمود، وهو ناشط في في "بورصة الصحف" في بغداد منذ تسع سنوات، إن "الصحافة والمجلات في تراجع مستمر"، مشيرا الى مقارنة لاوضاع المطبوعات قبل عام 2010 وما بعدها، ويحدد عام 2010 لانه التاريخ الذي احدث نقلة نوعية في الانتشار الالكتروني بين العراقيين واصبح بامكان المواطن العادي استخدام خدمة الانترنيت في منزله بعد إن كانت الخدمة متوفرة فقط في "المقاهي الالكترونية".
ويوضح قاسم انه بعد شهور قليلة من 2003 ظهرت المئات من المطبوعات من الصحف والمجلات حتى وصل عددها في مراحل معينة نحو 250 صحيفة ومجلة، ولكنها تراجعت شيئا فشيئا لاسباب تتعلق بالتمويل المالي، واسباب لها صلة وثيقة بالثورة التنكلوجية.
ويمضي قاسم الى القول، "سوق مبيعات المطبوعات في العراق يتدهور، فغالبية الصحف لا تعتمد على بيع مطبوعها لتمويل نفسها بل تعتمد على الاعلانات، كما إن شروط بيع المطبوع باعادة نسخ الصحف التي لا تباع الى رفوف الصحيفة دليل واضح على تدهور مبيعات المطبوعات.
السبق الصحافي
لكن صحافيين وخبراء يلاحظون اسباب اخرى لتدهور المطبوعات بينها عدم منافستها للاعلام الالكتروني من ناحية نوعية الاخبار وحصريتها وطريقة تقديمها لتشجيع الملتقين على شراء الصحيفة.
ويرى الصحافي منتصر الطائي، وهو مدير تحرير صحيفة "ديوانية الغد"، إن "التطور الالكتروني اطاح بالصحف والمجلات الورقية بشكل واضح خصوصا عندما استسلمت المطبوعات ولم تطور نفسها".
ويلفت الطائي على سبيل المثال الى إن "الصحف لم تحاول المراهنة على عامل الحصول على الاخبار الحصرية والمهمة لنشرها صباح كل يوم، فالمنافسة للحصول على هذه الاخبار والمعلومات التي غالبا ما تكون محل اهتمام المتلقين تجبرهم على اقتناء الصحف، ولكن الصحف استسلمت وقبلت نشر موضوعات مكررة ومتداولة قبل ساعات وايام من موعد اصدارها".
ويسوق الطائي مثالا حول الصحف العالمية وابرزها الاوربية والاميركية، اذ انها ما زالت في الطليعة رغم شدة المنافسة الالكترونية، وما زالت العديد منها ينشر الاخبار والموضوعات المهمة وينتظرها ملايين السكان في جميع انحاء العالم".
وفي النهاية يستبعد الطائي تعرض المطبوعات للاندثار، ويقول إن الصحف والمجلات تعرضت للعديد من الهزات العنيفة في مجال الاعلام اولها عند ظهور التلفاز ولكنها بقيت مستمرة وستبقى كذلك، بوصفها رمزاً لأداة الاتصال الأولى بين الشعوب والحكومات.