الوسيط “الرجل الأول” في سوق الإعلان.. و”الصباح” تحتكر النسبة الأكبر
الصفحة الرئيسية > تقارير الرصد الإعلامي > الوسيط “الرجل الأول” في سوق...
تقرير الرصد التاسع
يرصد التقرير التاسع لـ”بيت الإعلام العراقي” نسبة توزيع ونوعية الإعلانات المبوبة، التجارية والحكومية، التي تحصل عليها الصحف العراقية، من خلال مراقبة عينة من المطبوعات اليومية، وفي فترة محددة.
ويأتي التقرير، في وقت تعاني مؤسسات صحافية عراقية من أزمة مالية خانقة تهدد بعضها بالإغلاق، أو تسريح موظفيها وتقليص التكاليف، ومن الواضح أن الصحف الأكثر عرضة لهذه المخاطر هي الصحف الممولة من رؤوس أموال ناشرين وأصحاب امتياز خارج دائرة المؤسسات الحكومية أو الحزبية.
وتشير الأزمة المالية إلى سوء إدارة في توزيع الإعلانات الحكومية، وفقر واضح في المواد الإعلانية التي تحصل عليها الصحف من مؤسسات تجارية ومصالح مالية خاصة.
وراقب التقرير التاسع، إصدار عدد من الصحف العراقية للفترة ١٩ إلى ٢٩ آيار (مايو)، وخرج بتقديرات وأرقام عن ما تحصل عليه الصحف من موارد مالية، كما أظهر فجوة كبيرة بين صحف عراقية تحصل على نسب متفاوتة من الإعلانات بسبب ظروف مختلفة منها الدور الذي يلعبه “الوسيط” أو سعة انتشار الصحيفة، أو سلسلة علاقات تتحكم بمنافذ توزيع الإعلانات، سيسلط عليها الضوء في هذا التقرير.
أولاً: نتائج رقمية
اعتمد “بيت الإعلام العراقي” في تقريره على رصد صحف عراقية تنشر إصداراتها اليومية في مواقع إلكترونية بالصيغة الضوئية “بي دي أف” خلال الفترة التي شملها الرصد.
وكان تقرير الرصد الأول لـ”بيت الإعلام العراقي”، الصادر في ٢٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٥، إن عدد الصحف التي تنشر إعلانات في طبعاتها الورقية (حكومية، أهلية، رسمية) تبلغ (34) من أصل (59)، بنسبة 58 %.
وأظهر التقرير، أيضاً، أن عدد الصحف التي تمتلك مواقع إلكترونية على الانترنيت (47) من أصل (59)، بنسبة 80 %، وأن عدد الصحف التي تقوم بنشر مضمون الصحيفة الورقي، بصيغة “بي دي أف”، تبلغ (19) من أصل (47) صحيفة تمتلك موقعاً إلكترونياً، وما نسبته بنسبة 32 %.
لمراجعة التقرير الأول اضغط هنا
وبناءً على المعطيات السابقة، فإن رصد إعلانات الصحف في مواقعها الإلكترونية واجه مشكلات تتعلق بجودة تلك المواقع وتحديثها، وإتاحة المطبوع الورقي ضوئياً.
وخرج رصد الإعلانات للصحف المشمولة بالتقرير بالمعطيات الرقمية الآتية:
١: 143 صفحة إعلانية في 20 صحيفة يومية، منها 86،4 للإعلانات الحكومية، وبنسبة 60،41%.
٢: شغلت إعلانات شركات النفط الأجنبية والمنظمات الدولية وشركات الاتصالات وشركات وقنوات محلية ومصالح تجارية أخرى 14،6 صفحة وبنسبة 10،2%.
٣: بلغت مساحة التبليغات القضائية والتعازي وبرقيات الشكر وبلاغات فقدان الوثائق الشخصية 26،8 صفحة، وبنسبة 18،74%.
ترتيب الصحف التي شملها الرصد بحسب نسبة الإعلانات:
1: الصباح: 16،17 بالمئة
2: العراق اليوم: 12،79 بالمئة
3: الصباح الجديد: 9،44 بالمئة
4: بغداد الإخبارية: 9،05 بالمئة
5: الدستور: 7،20 بالمئة
6: الشرق: 7،13 بالمئة
7: العالم: 4،75 بالمئة
8: المدى: 4،75 بالمئة
9: البينة الجديدة: 4،61 بالمئة
نسبة الصفحات الإعلانية قياساً إلى عدد مجموع الصفحات خلال فترة الرصد:
1: العراق اليوم: 18،30 صفحة من 48 صفحة وبنسبة 38،13 بالمئة.
2: الشرق: 10،20 صفحة من 48 صفحة وبنسبة 21،25 بالمئة.
3: الصباح الجديد: 13،50 صفحة من مجمل 64 صفحة، وبنسبة 21،09 بالمئة.
4: بغداد الإخبارية: 12،95 صفحة من مجمل 64 صفحة، وبنسبة 9،05 بالمئة.
جدول: بيانات عن مقدار استفادة كل صحيفة من الإعلانات، نسبة لعدد صفحات أعدادها المرصودة.
الصحف التي لم تحصل على أي إعلانات خلال فترة الرصد:
١: التآخي
٢: أسبوع البطل
٣: بلادي اليوم
٤: الإصلاح الوطني الأسبوعية
٥: الجريدة الأسبوعية
٦: هنا الجنوب
ثانياً: الوسطاء
لاحظ “بيت الإعلام العراقي”، إن واحداً من العوامل الحاسمة في تحديد ملامح سوق الإعلان الصحفي في العراق، هو الوسيط الذي يتحكم بعملية بيع الإعلانات وتحديد نسبة العمولة والصحف التي تحصل عليها، فضلاً عن التحكم بالكميات المخصصة من الإعلان.
وفي الغالب، يقطع الوسيط أي صلة بين الناشرين والمعلنين عبر شبكة علاقات يتعذر معها تحقق الشفافية والتواصل السليم بين طرفي المصلحة.
ويتمتع الوسيط بنفوذ قوي داخل المؤسسات الحكومية والجهات المعلنة من خارج الحكومة، بالنسبة لقطاع الأعمال والتجارة وسوق المال. وتحول إلى رقم صعب في سوق الإعلان تلجأ إليه الصحف للحصول على موارد إعلانية بينما ترضخ لشروطه وخياراته بالنسبة لنسب التوزيع.
ولاحظ التقرير التاسع، إن الإعلانات التي تحصل عليها الصحف العراقية من دون وسيط شبه معدومة، أو أنها بأسعار وكميات ضئيلة للغاية.
واعتمد تقرير “بيت الإعلام العراقي” في رصد ملامح الدور الذي يلعبه وسيط الإعلانات على شهادات لناشرين عراقيين:
١: عدنان حسين، نقيب النقابة الوطنية للصحفيين:
هناك أزمة كبيرة في توفر الإعلانات لدى الصحف العراقية، بسبب غياب الإعلانات التجارية في العراق التي تعتبر المصدر الأساسي لتمويل الصحف ووسائل الإعلامية في العالم.
إن الصحف المحلية تعتمد على الإعلانات القليلة الصادرة من الحكومة، والتي لا يتم توزيعها وفق معادلة سليمة صحيحة، إنما وفق العلاقات الشخصية، لذلك تجد أن صحفاً واسعة الانتشار من الدرجة الثالثة أو الرابعة تمتلك أربع أو خمس صفحات إعلانات، في حين تجد صحفاً من الدرجة الأولى أو الثانية لا تحصل على ربع هذه المساحة.
هناك مجموعة من الوسطاء تحتكر سوق الإعلانات الحكومية وتقوم بابتزاز الصحف عبر فرض شروط لأخذ نسبة مالية من قيمة الإعلانات مقابل تقديمها للصحيفة.
إن اغلب هؤلاء الوسطاء موظفون في الوزارات، وهم جزء من الفساد الإداري والمالي التي تعاني منه الوزارات العراقية.
في الوقت الحاضر بعض الدوائر الحكومية لا تقوم بتسديد المبالغ المترتبة ولسنوات طويلة عليها من أجور الإعلانات للصحف لمدة طويلة، وذلك نتيجة الأزمة المالية التي يمر بها البلد، مما ضخم المشاكل المالية للصحف.
ولا حل لهذه المشكلة في الوقت الحاضر، سوى الاعتماد على الإعلان التجاري الناتج من النشاط الخاص، وفي العراق لا توجد حركة اقتصادية سليمة ولا توجد استثمارات وبالتالي من النادر أن نجد شركات تعلن عن منتجاتها في الصحف.
نحن نسعى لتوفر الإعلانات للصحف لضمان استقلالية الصحف كونها المصدر الرئيسي لتمويلها، والصحيفة التي لا تمتلك التمويل المالي الكافي قد تتجه إلى جهات أخرى للبحث عن هذا التمويل، وبالتالي يجب أن تدفع ثمن ذلك التمويل من موقف معين.
إن حل مشكلة الإعلانات تتمثل تشكيل جهة حكومية تابعة للأمانة العامة لمجلس الوزراء هي التي تتولى توزيع هذه الإعلانات وتأخذ بنظر الاعتبار إعطاء الصحف المركزية مساحة اكبر من تلك الإعلانات، أما في مجال الإعلانات التجارية حل هو بعث الحياة في الاقتصاد العراقي.
٢: إسماعيل زاير، رئيس تحرير الصباح الجديد:
إن أزمة الإعلانات كانت غير مفاجئة للصحف المستقلة وكانت متوقعة بسبب التركيبة السياسية للحكومات المتعاقبة.
إن كل وزير يشارك في الحكومات المتعاقبة يحاول إرسال الإعلانات للوسائل الإعلامية التابعة للحزب الذي ينتمي إليه، ولهذا لم تستطع الصحف المستقلة مواجهة الوضع الحالي، فضلاً عن كل هذا قررت الوزارات العراقية، منذ بداية السنة الحالية بعد أقرار الموازنة، بتخفيض سقف إعلاناتها إلى أقصى مستوى.
إن وسطاء الإعلانات يفرضون على الصحف استقطاع نسبة 20 إلى 30% من قيمة الإعلانات كعمولة لهم، وإذا رفضت الصحيفة إعطاءهم هذه النسب يحرمونها من الإعلانات الحكومية وبالتالي تفقد مصدر تمويلها الرئيسي.
وبات الوسطاء يسيطرون على شبكة توزيع الإعلانات في الوزارات والمؤسسات الحكومية وأصبحوا أشبه بالمافيات، وأحياناً سلطتهم في هذا المجال تكون أقوى من نفوذ الأحزاب.
ولا يتعدى دور الوسطاء على توزيع الإعلانات على الصحف فقط بل إلى الاتفاق مع بعض المقاولين وأصحاب العقود الحكومية من اجل نشر الإعلانات في صحف قليلة الانتشار وتطبع بإعداد قليلة من ثم الاتفاق مع إدارة تلك الصحف بشراء جميع النسخ المطبوعة بهدف منع انتشار هذا الإعلان بين صفوف المواطنين.
ويقوم المقاول بأخذ نسخ من أعداد تلك الصحف وتقديمها للوزارة المعنية ويبن نفسه انه مستوفي للشروط الحكومية القاضية بنشر المناقصة أو العقود في ثلاث صحف.
إن الوسطاء لا يعتمدون على سعة انتشار ولا يلتزمون بشروط وضعتها الحكومة، والصادرة من وزارة التخطيط في عام 2004، التي تفرض توزيع الإعلانات الحكومية على الصحف الوطنية التي توزع في عموم العراق وان يكون لها شعبية داخل البلد.
وعلى سبيل المثال، فإن غالبية الإعلانات التي تصدر عن المحاكم العراقية تذهب إلى جريدة تسمى (…) وهي جريدة غير معروفة لا تطبع إلا أعداد قليلة جدا، والعمل بهذا الطريقة يقوض سير العدالة.
إن معاناة الصحف لا تقتصر على دور الوسطاء، حيث يقوم عدد من المسؤولين بتخفيض أجور الإعلانات بدلا من زيادته، في حين المفروض أن بزيادة مبالغ أسعار الإعلانات لتتناسب مع مستوى التضخم الذي حصل في العراق خلال السنوات الأخير من ارتفاع أسعار الورق ومرتبات الصحافيين.
على هذا الأساس، تنسق صحف يومية مستقلة لا تتجاوز الـ 15 صحيفة، مثل الصباح الجديد، الدستور، المشرق، الزوراء وغيرها، للقيام بحملة لإيجاد حل لأزمة الإعلانات.
ومن مجمل ما تنادي به الحملة، إلغاء أولوية استحواذ جريدة الصباح التابعة لشبكة الإعلام العراقي الممولة بالكامل من الحكومة على 90 بالمائة من الإعلانات الحكومية، وزيادة سعر الإعلان وتحديد تعريف ومعايير لتوزيع الإعلانات.
وتسعى الحملة إلى وضع تعريف ومعاير لتوزيع الإعلانات، إلا إن احد المسؤولين سرب معلومة مفادها عزم الحكومة دعم الصحافة المستقلة بمبلغ خمسة مليارات دينار، مما تسبب بزيادة كبيرة بعدد الصحف لتصل إلى ما يقارب 60 صحيفة سجلت اسمها في نقابة الصحفيين للمشاركة في الحملة.
لقد فشلت الحملة في تحديد معايير توزيع الإعلانات بسبب مساعي بعض الصحف التي تعاني مشكلات مالية كبيرة للحصول على قروض مالية.
إن الصحف المستقلة في طريقها للاختفاء وعددها حاليا في تناقص، في حين عمد بعض منها على تقليل عدد الصفحات، أو تقليص توقيتات الإصدار إلى يومين أو ثلاث أيام في الأسبوع، في حين الأخر ومنها الصباح الجديد قرر تخفيض رواتب الكادر الصحفي، في حين وصل الأمر عند بعض الصحف إلى تسريح عدد من موظفيها.
٣: عمار صباح، مسؤول الإعلانات في جريدة المدى:
إن الوسطاء يمارسون الابتزاز على جميع الصحف المستقلة، ويفرضون نسبة 25 بالمائة من قيمة الإعلانات، إلا أن بعض الصحف تقدم نسبةً تصل إلى 50 بالمائة من اجل استقطاب عدد اكبر من الوسطاء.
لا يوجد توازن في مسألة توزيع الإعلانات على الصحف اليومية، والأمر محصور بالعلاقات الشخصية التي تقيمها الصحيفة مع هؤلاء الوسطاء.
إن بعض الوزارات تحاول الضغط على الصحف المستقلة عن طريق الإعلانات، وإذا تطرقت الصحيفة إلى ملفات فساد أو سوء إدارة لأحدى الوزارات فستقوم تلك الوزارة بمنع الصحيفة من إعلاناتها، بمعنى أن الوزارة تقوم بمحاربة الصحيفة عن طريق الإعلانات.
٤: عمر الشاهر، رئيس تحرير جريدة العالم البغدادية:
الوسطاء لا ينتبهون إلى دور الصحيفة أو مدى تأثيرها أو سعة انتشارها، وإذا أرادت الصحيفة الحصول على إعلانات يتوجب عليها أنشاء علاقات مع شبكات تحتكر توزيع الإعلانات الحكومية.
إن ميزة هؤلاء الأشخاص أنهم يمتلكون علاقات جيدة ومتينة مع إدارة الوزارات والمؤسسات الحكومية والتي تضع ثقتها فيهم، وفي بعض الأحيان يكون هناك تبادل منفعة بين الطرفين وتوزيع حصص لكل منهما.
إن الوسيط غالبا ما يمتلك شبكة علاقات مؤثرة داخل وزارة أو أكثر تسهل له للحصول على إعلانات، ثم يقوم الوسيط بعد ذلك بالاتصال بالصحف ويساومهم على نسب معينة مثلا 30 بالمئة من قيمة الإعلان ويشترط على الصحيفة توقيع العقد باستلامها 100 بالمئة من قيمة الإعلانات.
ولا يسمح هذا الوضع لوسائل الإعلام أن تطور نفسها من خلال اعتمادها على الإعلانات، وأدى إلى القضاء على مشاريع إعلامية مهمة مثل تجربة جريدة النهضة ووكالة واي نيوز الالكترونية وغيرها ممن فشلت في الصمود لعدم تمكنها من الحصول على إعلانات وبالتالي فقدت مصدر تمويلها.
منذ عام 2004 ولغاية 2008، كانت المكاتب الإعلامية مسؤولة عن توزيع الإعلانات على الصحف، وكانت الأفضلية لمن ينشر نشاطات الوزارة، لكن بعد ذلك استولت شخصيات معينة على خارطة توزيع الإعلانات في البلد، وهؤلاء أما لديهم تنسيق مع شخصيات كبيرة أو لديها اتصال مع مؤسسات توزيع كبيرة وصحف ووسائل الإعلام.
من النادر أن يكون للمكتب الإعلامي للوزارات أي دور في توزيع الإعلانات، وأحيانا يظهر الإعلان وينشر ولا تعرف كيف حدث ذلك ومن هي الجهة التي قامت بتوزيعه على الصحف.
ثالثاً: آفاق أزمة الصحافة الورقية
تواصلت التنبؤات المتشائمة من قبل المتخصصين والباحثين في مجال الصحافة على مدى العشرة أعوام الماضية حول أزمة الصحافة الورقية والتي تقر بزوالها في المستقبل القريب معللين ذلك بأسباب متعددة تتباين باختلاف المجتمعات.
ولا يزال مستقبل الإعلام المطبوع غامضا ومثار جدل غير محسوم، خاصة مع استمرار الإقبال عليه من قبل فئات مختلفة من المجتمع ما يساعد في بذل الجهود، سيما من قبل المؤسسات الإعلامية الشهيرة على المستوى العالمي أو المحلي لتعزيز سوق الصحافة الورقية والتكيف مع الظروف المتنوعة التي تعد عوامل أساسية في تراجع الإعلام المطبوع أهمها:
1: يعد الانترنت من أهم أسباب تراجع الصحافة الورقية، إذ تضم الصحافة الالكترونية ذات التطور التقني الهائل أخبار متنوعة وفي مجالات أوسع تصل بعضها إلى القارئ مجانا مما يقلل الحاجة إلى شراء الجريدة كما تحوي المواقع الإعلامية الالكترونية على أفلام إخبارية تنتشر بسرعة وأحيانا تكون لحظية في أي مكان في العالم ما يجعل المجتمع أكثر إقبالا على متابعتها من انتظار الصحيفة التي تصدر في وقت معين ومساحة محددة وإمكانية محدودة في نقل الوقائع.
2: تلعب الفئة الشبابية دورا كبيرا في ظهور أزمة الصحافة الورقية، إذ تفضل نسبة كبيرة المواقع الإخبارية الالكترونية لتصفح الأخبار ومعرفة الأحداث المحلية والعالمية مع توفر فرصة الانتقاء بين عدد ضخم من الصحف والوكالات بأنظمة وتقنيات مختلفة، فضلاً عن التطبيقات الإعلامية في الهواتف الذكية.
وتميل الفئة الشبابية إلى قراءة الأخبار السريعة المختصرة أو المصورة، وتكتفي بإلقاء نظرة على عناوين المقالات والتقارير المفصلة.
3: في الوقت الذي تعاني فيه الصحف العالمية من اثر الأزمات الاقتصادية، تصارع الصحافة الورقية شبح الزوال في الدول التي تعول بشكل رئيسي على الموارد الحكومية في تغطية نفقاتها، مما يقلص ويلغي أحياناً، استقلالية الصحافة وبالتالي أما أن ترضخ الصحيفة للولاءات الحزبية أو الشخصية أو تنقرض تماماً.
رابعاً: الصحافة بين سلطة الممول و الاستقلالية (تجارب عالمية)
١: الصحافة الانكليزية
هي أول من تنفس هواء الحرية بعد صراع مع السلطة، وذلك في أواخر القرن السابع عشر بعد تحررها المطلق من الضغوط الحكومية وعمليات الرقابة المشددة على المطبوعات حتى وصلت إلى أوج نهضتها في القرن الثامن عشر وأنشأت مجلس الصحافة للمحافظة على حرية الصحافة، فضلاً عنان بريطانيا هي أول دولة اعترفت بحرية الصحافة، حيث يسجل المجتمع البريطاني اليوم أعلى نسبة قراءة للصحف.
واستعانت الصحف البريطانية بمشاريع المساهمين "Trust Groups"، مثل "مشروع سكوت" أو "Scott trust" لتمويل صحيفة الغارديان، لتأمين الوضع المالي و”القيم الليبرالية” في العمل، وعملت هذه التجمعات المساهمة على زيادة نسب حصصها في سوق الصحف الورقية، مما عزز استقلالية الصحافة وتطوير مشاريع استثمارها بإدارة شركات كبرى ذات مصالح إعلامية وغير إعلامية احتلت قطاع الإعلام البريطاني كمؤسسة مردوخ و ستيفنز وغيرهما.
ولا تزال الصحافة البريطانية، والإعلام البريطاني إجمالا، يموّل من خلال مشاريع المساهمين الخاصة، عدا مؤسسة “بي بي سي” التي تعتمد في تمويلها على ضريبة رخصة اقتناء جهاز التلفزيون، فضلاً عن انفراد صحيفة الغارديان بتملك مشروع "سكوت" وحددت أرباحه في تمويل الصحيفة حصرا بـ "نظام الصندوق"، فبدلا من أن يستفيد المساهمون أو المالك، يعاد استثمار الأرباح في استدامة الصحيفة مع بقاءها محصنة من أي تدخل سياسي أو تجاري، والحفاظ على نفس الحماية المنصوص عليها في دستور الصحيفة الذي يهدف في الأساس إلى تأمين الاستقلالية المالية والحرية الصحفية.
٢: الصحافة الألمانية
ناضل الألمان طويلاً من اجل نيل حرية الصحافة التي حوربت من قبل الحكومات في الحربين العالميتين ومن قبلها النازيين، واستمرت خاضعة لنظام دقيق من الرقابة الصارمة وفرض قيود حاسمة على رخص إصدار الصحف، حتى وُظفت لخدمة مصالح الدولة في الحروب وخضعت لضريبة الطابع على الصحف، ثم بعد ذلك تم تقييدها بموجب قانون تعريف حرية الصحافة، حتى حصلت على استقلالها وأصبحت حرية الصحافة من أولى الحقوق الديمقراطية المكفولة بموجب الدستور الألماني.
حافظت الصحافة الورقية الألمانية على توازنها رغم التطورات التكنولوجية المستمرة في مجال الإعلام، واستمر تأثيرها بشكل واضح في القضايا السياسية والاجتماعية في شريحة كبيرة من المجتمع الألماني.
إلا إن تراجع الإعلان في الصحف نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية و تناقص التمويل سبّب أزمة للكثير من الصحف، سواء المحلية أو الإقليمية، إضافة إلى توجه الفئة الشبابية إلى مواقع الإنترنت الإخبارية.
تصنف الصحف الألمانية إلى "خاصة وعامة"، أو بالأحرى إعلام خاص وإعلام عام، مع غياب الصحافة والإعلام الحكوميين.
يموّل الإعلام الخاص من مشاريع المساهمين التابعة إلى القطاع الخاص والتي يتحتم إظهارها وتوضيح مصادرها، أما الإعلام العام (الرسمي) فيتم تمويله من قبل الدولة من أموال الضرائب ورسوم اقتناء التلفزيون والراديو من قبل المواطنين، مع مراعاة عدم تدخل أو فرض سيطرة من قبل الحكومة على سياسة المؤسسة الإعلامية أو الصحفية.
وتساهم الدعايات والإعلانات في تمويل الصحف الألمانية بشكل ملحوظ، إذ توجد صحف دعاية يومية وشهرية ونصف شهرية يزيد عددها عن الـ 1000 صحيفة توزع مجانا على البيوت.
تجدر الإشارة إلى انه بعد توحيد شطري ألمانيا تحولت ملكية وسائل الإعلام في شرق ألمانيا إلى القطاع الخاص وساهمت ألمانيا الغربية في رأس مال ملكيتها، ما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في مبيعات الصحف الصادرة في غرب ألمانيا وفقا لمتطلبات سوق شرق ألمانيا.
٣: الصحافة الفرنسية
كذلك الحال في فرنسا حيث تنتمي اغلب الصحف الفرنسية إلى تجمعات صحفية كما في اغلب الدول المتقدمة في العالم، وذلك بعد أن تخلص الصحافة الفرنسية من الوصاية أو الاحتكار الذي كانت تضطر بعض الصحف الفرنسية إلى دفع مبلغ مالي مقابل تصريحات ضمنية تكفل تنازل السلطات عن جزء منه.
ويتبين من التجارب السابقة انه من اجل إعلام ذي استقلالية واستمرارية لجأت المؤسسات الإعلامية في بعض الدول الأوروبية إلى خلق اندماجات بين أصحاب المصالح الأساسية في الصحف والإعلام عامة من تجار ومالكي شركات عالمية ذات عدة اختصاصات وبالتالي تكوين إمبراطوريات إعلامية كبرى وذلك بتأسيس تجمعات تتألف من أصحاب المصالح كمساهمين في تمويل الإعلام، فضلاً عن مصادر التمويل التقليدية كالإعلانات، الاشتراكات، مردودات مبيعات الصحف، والخدمات المعلنة،
إن النهوض بالصحافة الورقية يحتم وجود رعاة للاستقلالية والديمومة، فضلاً عن قانون رصين يحصن المؤسسات الإعلامية بكوادرها من الاحتكار السياسي والحزبي والرقابة لبناء إعلام وطني مستقل وفق معايير مهنية.
خامساً: الملاحظات
١: تفشل صحف عراقية في تغطية الحد الأدنى من تكاليفها من خلال التمويل الذي توفره الإعلانات.
٢: لا وجود لآلية واضحة، وفق معايير إدارية وقانونية شفافة، لتوزيع الإعلانات على الصحف العراقية بعدالة، وبحسب النسب الحقيقية للتوزيع والانتشار.
٣: تعثر واضح في تسديد مستحقات الصحف لقاء نشر الإعلانات، لأسباب تتعلق بالروتين، أو الأزمة المالية التي تشهدها البلاد منذ مطلع العام ٢٠١٥.
٤:تضطر مؤسسات صحفية عراقية إلى تقليل كلفة نشر الإعلان، والموافقة على الدفع بالآجل، لإنقائ نفسها من الإفلاس، لكن هذا الخيار يسبب اختلالاً في سوق الإعلان، فرضته المعايير المزدوجة وغير الواضحة للتوزيع.
٥: يتحكم الوسيط بكل شيء في سوق الإعلان الصحفي، ويدير عبر شبكة علاقات مختلفة ونافذة عملية التوزيع والبيع والعمولات، ويبدو أنه من الصعب على مؤسسة صحفية الخروج عن دائرة الوسيط لمعرفتها بالخسائر المالية شبه المؤكدة.
٦: يقوم الوسيط بالتحكم، أحيانا، بسياسة التحرير لدى بعض المؤسسات، ويفرض سياقاً معينا من النشر الصحفي، الذي تقبله الصحيفة اضطراراً.
٧: تتنافس الصحف العراقية على حصة أقل من مجمل الإعلانات الموزعة على الصحف، بسبب احتكار جريدة الصباح لنسبة ثابتة ومحددة، وهي في الغالب النسبة الأكبر قياساً لبقية المطبوعات.
٨: تحصل صحف عراقية، يومية وأسبوعية، على إعلانات بنسب مرتفعة رغم إنها محدودة الانتشار ولا توزع غير أعداد قليلة بالقياس مع مطبوعات أخرى تفوقها في نسبة التوزيع، بل أن بعضها يصدر فقط في يوم نشر الإعلان، وبعدد مخصص للجهة المعلنة.
سادساً: التوصيات
١: يوصي “بيت الإعلام العراقي” بتشكيل لجنة مشتركة من المنظمات المعنية بدعم الإعلام المستقل ورؤساء تحرير الصحف الرئيسة، ومنسق حكومي يمثل الأمانة العامة لمجلس الوزراء، تكون معنية بإيجاد آلية لتوزيع إعلانات المؤسسات الحكومية بشكل عادل، وفق ضوابط تأخذ بعين الاعتبار انتشار الصحف وعديد صفحاتها، والخدمات التي تقدمها للمعلنين.
٢: أن تعد اللجنة ضوابط وآليات ومقترحات لتوفير الدعم من قبل الدولة لأسعار الورق والأحبار المخصصة حصراً لطباعة الصحف، بشكل منتظم عبر توفير حصص من تلك المواد بأسعار مدعومة، وأن تعفى ضريبياً.
٣: تعمل اللجنة بالتنسيق مع الجهات المعنية، على إلغاء دور الوسيط نهائياً في ما يخص إعلانات المؤسسات الحكومية، وأن تضمن اللجنة منح الصحف الورقية حصصها من الإعلانات والمبالغ بشكل مباشر من دون طرف ثالث.
٤: تدرس اللجنة تأسيس شركة توزيع “وطنية عامة” للمطبوعات الورقية في العراق، تتم عبر شراكة بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالإعلام.
٥: يوصي بيت الإعلام العراقي بوقف أي معاملة تفضيلية لدى مؤسسات الدولة في إعلاناتها لصالح صحيفة “الصباح” الممولة من الدولة، على حساب بقية الصحف، وأن يعتبر أي تعميم يصدر من مؤسسة حكومية ما يحصر نشر الإعلان في صحيفة محددة ومنها الصباح، نوع من أنواع الفساد الإداري والمالي الواجب ملاحقته.
٦: يطالب “بيت الإعلام العراقي” البرلمان العراقي الإسراع في فتح باب الحوار مع المنظمات والمؤسسات الإعلامية في العراق لإصدار سلسلة قوانين تنظم العمل الإعلامي وتحمي الصحافي والصحفيين وتحقق التدفق الحر للمعلومات، وتحمي الصحافة الورقية من خطر الانقراض.
٧: يطالب “بيت الإعلام العراقي” المنظمات المعنية بدعم الإعلام المستقل والحر في العالم بإعداد مشروعات عمل وشراكة مع وسائل الإعلام المستقلة في العراق لإنقاذها من الاستقطاب الحزبي والسياسي والتخندق الطائفي أو العرقي، ويعتبر أن عدم الاهتمام بدعم الصحف المستقلة من المنظمات الدولية المعنية بهذا الشأن هو إحدى الطعون التي وجهت للإعلام العراقي منذ عشرات سنوات وإلى يومنا هذا.