مشرق عباس: تدريب لا يدرّب احداً!
الصفحة الرئيسية > أفكار > مشرق عباس: تدريب لا يدرّب...
العمل هو ميدان التدريب الأصيل في الصحافة، ولهذا تحديداً سمحت مهنتنا باستقطاب اطباء ومهندسين وفنانين وشعراء كما استقطبت خريجي كليات ومعاهد الاعلام، واحياناً كان من بين كبار الصحافيين من لم يكمل دراسته الاكاديمية.
لا يدعم هذا الواقع فرضية "مهنة من لامهنة له" التي بدأت تشير بأصابع الاتهام الى الصحافة العراقية، نسبة الى الجيش الجرار من حملة عضوية نقابة الصحافيين العراقيين، في مقابل فقر في اعداد المهنيين العاملين فعلاً، لكنها تشير الى قيمة الصحافة كمهنة جاذبة، نختارها بملء ارادتنا.
لايمكن بأي حال، انكار ضرورة تعلم ودراسة قواعد المهنة، لكن هذا التعلم يصبح بلا قيمة حقيقية من دون ممارسة مستمرة واختبار في الميدان، ولهذا تحديداً نضع علامات الاستفهام امام الدور الفعلي الذي لعبته المئات من ورش العمل والدورات التدريبية التي تقام كل عام لتطوير الاداء الاعلامي، مثلما نضع علامات التعجب لسير ذاتية يقدمها صحافيون خضعوا الى ساعات تدريب تفوق بعدة مرات ساعات عملهم.
الصحافة مهنة ديناميكية بتكوينها، ما يمنحها القدرة على التطوير المستمر عبر التجربة والنجاح والفشل، وعلينا ان نسأل بقوة ان كان كل هذا التخبط في الحقل الاعلامي العراقي لا يستدعي حقاً ان يتم اعادة النظر بآليات التدريب لتكون منسجمة مع واقع الحال وازمات الصحافة.
اقترح "بيت الاعلام العراقي" منذ لحظة تأسيسه بداية العام الحالي، ان يتم تطوير آليات التدريب التقليدية للاعلاميين، وكانت من بين طروحاته تبني تصوير الدورات التدريبية ونشرها لأكبر عدد من الصحافيين، بما يقلص الحاجة الى اعادة الدورات في القضايا الاساسية، ويدفع المدربين الى رفع مستوى ادائهم، والارتفاع في سقف القضايا التي يناقشونها، بدلاً من اعادة اساسيات كتابة الخبر الصحافي في عشرات الدورات كل عام!.
سوق الدورات التدريبية في العراق وربما في المنطقة والعالم لا يحتمل مثل هذا المقترح، فهناك جيش من المستفيدين المرتبطين بالدورات التدريبية التي تضم كل مرة 10 الى 15 صحافي، وهناك عجز عن تطوير مناهج التدريب لدى المدربين التقليديين الذين ألقى كل منهم المحاضرة نفسها ربما مئة مرة حتى حفظها، ولم يعد بامكانه البحث عن صيغ جديدة او التفكير بطرائق تدريب مبدعة تحترم التطور التكنلوجي والتعقيد الثقافي والمتغيرات في جوهر المهنة.
العالم يتطور، ومهنة الصحافة تصبح اكثر تعقيداً، وتواجه تحديات متجددة، ومع هذا فما زالت الدورات التدريبية المعنية بتطوير الصحافة تدور في حلقة مفرغة عن اسئلة الخبر، ومعنى التحقيق وفرقه عن التقرير. كَسرُ هذه الدائرة، يتطلب ان يعي المعنيون بتطوير الاعلام، والحال ينطبق ايضاً على كليات الاعلام، حقيقة ان خلق جيل اعلامي اكثر فعالية للمستقبل، يستدعي تغيير قواعد التدريب والتأهيل المهني والاكاديمي.
ويعلن "بيت الاعلام العراقي" بهذا الصدد، انه سيطلق خلال الشهور المقبلة مشروعاً، يتيح تحويل المتاح من المحاضرات النظرية الخاصة باساسيات المهنة، والدورات التدريبية وورش العمل، الى مادة مصورة متاحة للجميع، ويأمل ان تكون هذه الخطوة بداية للأهتمام بالجوانب العملية من العمل الصحافي، وان يتم اعادة النظر بـ "الدورات التدريبية التي لا تدرب احداً".