عمار السواد: ضد قانون يقيد حتى الصحافة الصفراء
الصفحة الرئيسية > تجربة > عمار السواد: ضد قانون يقيد...
عمار السواد صحافي ومعد برامج في قناة الحرة، وكاتب عمود رأي في صحيفة القبس الكويتية سابقاً وفي موقع إيلاف حالياً.
يركز السواد في مقالاته على نقد الفكر الديني وتفكيك مقولات الإسلام السياسي الشيعي، مستفيداً من دراسته الدينية واختلاطه بمجتمع الأحزاب الشيعية في إيران وسوريا، حيث عاش فيهما لاجئاً منذ عام 1991 وحتى عام 2003.
عاصر السواد الحراك الذي رافق تراجع إيران الثورة لصالح إيران الدولة، ليغادرها إلى سوريا قبيل انتخاب الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، بحثـا عـن نافـذة يطل منها على بقيـة العالم.
ولمحاولة فهم طبيعة التحولات في تجربة الصحفي والكاتب عمار السواد كان لابـد مـن العـودة إلى أولى مفترقات حياتـه، في هذا الحوار:
في ربيع عام 1991 وأنت ابن الثالثة عشر انقلبت حياتك رأساً على عقب حين لجئت العائلة هرباً من انتقام نظام البعث، فهل كان اللجوء بسبب تهديد مباشر أم أنه كان نتيجة حالة فزع عام؟
بسبب مشاركتي الى جانب والدي في انتفاضة عام 1991 كان البقاء في العراق مستحيلا، لأن الجيش بدأ يدخل الى البصرة، وهذا يعني تعرضنا للخطر، خصوصا وان اي منطقة يدخلها الجيش يعتقل الاسر ويعدم المشاركين بشكل مباشر ويأخذ بقية الاسر الى مكان مجهول، تبين انه المقابر الجماعية.
صحيح ان ساكني البصرة اعتادوا المدفعية والقصف في فترة الحرب العراقية الايرانية، لكن تجربة قمع الانتفاضة كانت مريرة. عندما خرجنا من المنزل ونحن لا نحمل معنا غير بطاقاتنا الشخصية ومبلغ 750 دينار، لأنا خرجنا على عجالة، لم نكن متأكدين من الهدف، كنا نتجه باتجاه الطريق الذي يتفرق لاحقا الى الكويت او ايران، الثانية كانت مرجحة، لأنا لم نكن نتوقع ان تسمح الكويت بدخولنا اراضيها، وفعلا هي لم تسمح بل ابقت اللاجئين في صفوان. في هذا الطريق وجدنا عشرات الجثث ملقية هنا وهناك، والمعارك في كل شارع وفرع، والدبابات موزعة بعناية، وكان يمكن ان ترمي اي مدني يمر بها، طبعا كنا نتخذ طريقاً غير قصير لكن اكثر امنا، هذه التجربة لم يعشها البصريون ولا العراقيون في السابق، هي مثل حرب اهلية طرفاها جيش مهزوم وشبان منتفضون.
الامور كانت سيئة، وعبور شط العرب كان صعبا للغاية، لكن بمجرد عبورنا بدأت الامور تهدأ، لان الضفة الاخرى وهي التنومة، كانت تحت سيطرة الثوار وقوات بدر التي عبرت الحدود.
على المستوى الشخصي كان الامر صعبا، لأني اصبت في الانتفاضة، وكان المطلوب ان امشي مسافات طويلة، فتعكزت على "مظلة". هذا الطريق والاصابة وشهران من العيش في معسكرات اللاجئين، كانت تجربة مهمة في حياتي، لا تزال تمر بذاكرتي مرورا مؤثرا، تشعرني احيانا بأهمية ما حصل، واحيانا بأن هذا لم يكن طبيعيا، وانه خسّرني طفولة لم اعشها كما يفترض.
في إيران درست في الحوزة الدينية ربما لأنها فرصة التعليم الوحيدة المتوفرة لكنها بالتأكيد كانت خارج تصوراتك وتصورات العراقيين من أبناء جيلك فكيف تكيفت مع ذلك الواقع المفروض؟
لا استطيع ان اقول انها الفرصة الوحيدة، لأن هناك فرصا اخرى للدراسة، لكن هي الفرصة الاقل تكلفة والاكثر التصاقا بطبيعتنا الجديدة المتمثلة بدخولنا ضمن فضاء الاسلام السياسي حتى لو لم يكن الامر تنظيميا، فهي ممارسة انطلقت من حلم معرفة الاسلام، هذا كان دافعا مهما بالنسبة لي. لهذا دخلت الحوزة وكنت جادا في الدراسة، لكن الى جانبها حصلت على فرصة الدراسة الاكاديمية، بعد ان اصبح لدي معرفة لا بأس بها باللغة الفارسية. وذلك بعد عام 93.
قيمة هذه التجربة تكمن في انها تعطي الخبرة الكافية بمرحلة الاسلام بكل تجلياته، خصوصا ونحن في عهد ديني، وهناك عودة للأنماط الإسلامية، والاشتغال في العقيدة الدينية يعطي المشتغل خبرة عميقة. وهي ايضا مهمة كون الدراسة الدينية ذات منهجية جدلية تصنع العقل النقدي بالنسبة لمن يستطيع ان يفكر بحرية نسبية.
ما مدى تأثير الثقافة والصحافة الإيرانية على تجربتك؟ ومن هي أبرز الصحف والأسماء التي قرأت لها والتي تغيب عنا بسبب الانطباعات العمومية عن إيران واختزالها بسياسة نظامها الإسلامي؟
غادرت ايران في عام ١٩٩٧ وانا متقن للغة الفارسية، لكن علاقتي لم تكن مع الصحافة ابدا، كنت اقرأ الصحف الايرانية مثل همشهري وكيهان وثم صحيفة ايران التي ظهرت لاحقا. لكن علاقتي كانت بالكتاب المؤلف باللغة الفارسية او المترجم اليها، كنت اقضي اوقات طويلة اطلع على مصادر فكرية وفلسفية غير موجودة في ايران باللغة العربية من خلال اللغة الفارسية، هذا في مكتبة مهمة بمدينة قم هي مكتبة المرعشي النجفي. اضافة الى هذا عايشت فترة تحولات في الافكار داخل ايران وتسليط اضواء على مفكرين بدأوا يطرحون اراءهم بطريقة مختلفة مثل عبد الكريم سروش ومجتهد شبستري.
في طهران تدرك ان ايران ليست نظام ولاية الفقيه، بل اعمق واوسع وما ولاية الفقيه الا نظاما سياسيا يحاول ان يغير المجتمع بشكل عميق ويفشل، لأن مقومات التغيير الفكري هناك موجودة، وما كان ظهور خاتمي مصادفة. مثلا بعد صلاة الجمعة كانت تخرج تظاهرات قرب جامعة طهران تندد بالسفور، وبعد ان تتلاشى التظاهرات تخرج فتيات طهران نصف المحجبات إلى الشوارع بشكل طبيعي رغم المضايقات ونظرة النظام لهن بريبة.
هل كان انتقالك بسبب الحملة التي دشنتها حكومة الرئيس خاتمي لدفع اللاجئين العراقيين للعودة أم لأسباب أخرى؟
عشت اواخر الجدل قبل انتخاب خاتمي، وكان واضحا أن المجتمع يريد تغييرا، لكن قرار مغادرة ايران ظهر عندي في عام ١٩٩٤، حاولت مرارا لكن لم انجح الى ان اقتنعت ان اسافر الى سوريا كبديل، الامر لا علاقة له ابدا بطبيعة التغييرات السياسية في ايران، بل كان بسبب شعوري بانقطاع عن العالم، رغم محاولاتي الدخول في عمق المنظومة الفكرية الايرانية.
سوريا المحطة الاهم في حياتي، وكانت بداية كتابتي في الصحف، وهي صحف المعارضة طبعا مع مقال قديم منشور في جريدة السفير البيروتية والقدس العربي اللندنية، وكانت كلا الصحيفتين توزعان في دمشق، رغم ان الاخيرة منعت لاحقا بسبب تقرير نقد النظام السوري.
فبالرغم من ان الصحافة السورية كانت كالصحافة العراقية آنذاك، لحزب واحد، فالصحف الثورة وتشرين والبعث تابعات للحزب او النظام، الا ان الاصدارات الثقافية من مجلات وصحف كانت جيدة، هذا فضلا عن الصحف الصادرة في بيروت ولندن والتي كانت تباع بشكل طبيعي في الاسواق السورية.
تزامنت فترة تحولك إلى سوريا مع صعود نجم قناة الجزيرة التي رفعت سقف التحدي أمام الإعلام العربي بخوضها في التابوهات السياسية العربية فكيف رأيت الطريقة التي تعاملت الصحافة العربية مع إعلام أقل مباشرة وأكثر اهتماماً بالمهنة؟
اذكر هنا اني بعد وصولي الى دمشق مباشرة دخلت الى سوبر ماركت، وكان قد وضع التلفزيون على قناة الجزيرة وتحديدا لقاء مع البيانوني الاخواني المعارض للنظام، لم يكن صاحب السوبرماركت معنيا بالموضوع، رغم ان العلاقة بالإخوان كانت جريمة في سوريا، النظام كان يتعامل مع هذه الامور باعتبارها هامشية.
لم يكن هذا يسبب أي نازع للمنافسة في الاوساط السورية، المنافسة لاحقا، لكن نظاما شموليا لم يكن قادرا على فعل شيء جيد، ليس امام الجزيرة فقط، بل امام قناة كالمستقبل، وهي اعلام منوع كان يمكن ان يسحب بسهولة على القنوات الارضية في دمشق.
متى فكر عمار السواد الحاصل على دبلوم شريعة بالعمل في مجال الصحافة ومن أبرز من أخذ بيدك ومتى باشرت أول عمل صحفي محترف؟
في سوريا جاءتني فرصة الكتابة في جريدة البعث، لكن في مجال معرفي، لكن وقتها ترددت وحسمت الخيار النهائي برفض هذا الامر لارتباطه بحزب البعث، حتى وان كان الجناح السوري الذي يسمونه بالبعث اليسار.
لم يكن الامر مثيرا كثيرا، لكن بمجرد عودتي الى العراق في نيسان 2003 بدأت الساحة الصحفية تبحث عن مقولة الصحافة الحرة، كان الامر مثيرا ولافتا للانتباه، في البداية كتبت بعض المقالات في جريدة المنارة البصرية، وهي من اقدم صحف ما بعد التغيير.. لكن الانتقالة الرسمية كانت في عام 2004 عندما عملت مراسلا لوكالة الانباء الكويتية (كونا) في البصرة، الى أن حصلت فرصة العمل في قناة الحرة عراق في آب 2004، ووقتها كان امامي مشوار التدريب، لأن مجال التلفزيون مختلف تماما، اشتغلت الى جانب صاحفيين جيدين في المحطة الجديدة، وعملت في البداية معدا لبرنامج العراق يقرر. وكان كل ذلك بإشراف احمد المهنا، لذا فإن هذا الرجل هو الاكثر تأثيرا علي في مجال الصحافة وحتى في بعض الجوانب الثقافية.
تعد منذ سنوات برنامج ''بالعراقي'' الذي استضاف على مدار السنوات شخصيات سياسية تبوأت أعلى المناصب السياسية في العراق، فكم أثر فيك تعاملك معهم؟
بدأ العمل في حلقات الطريق الى الانتخابات من برنامج بالعراقي، وكانت الحلقات بمثابة بروفة او تجربة لبث برنامج (العراق يقرر) الذي بدأت بإعداده في شهر تشرين الاول 2004 وقدمه عبد المنعم الاعسم، لكن توقف البرنامج بعد عامين لانتقل الى منتج ومحرر اخبار، الى أن عدت لبرنامج بالعراقي في 2008. التعامل مع السياسيين بشكل مباشر يجعل الصحافي قريبا من مصدر القرار واكثر معرفة بالخفايا، وقد حصلت لي صداقات مع سياسيين، لكن لا اخفيك ان هذه التجربة كان لها تداعياتها السيئة، فالاحتكاك بالسياسي يفقد المرء الكثير من عوامل انسانيته، اقول هذا بصراحة.
تعمل في بلد يعتبر المنطقة الأخطر بالنسبة للصحافييـن لتعدد مصادر القمع والتهديد وفي وسيلة إعلام ممولة أميركيا فهل واجهت مصاعب بسبب ذلك؟
ما واجهته لم يختلف عن بقية الصحفيين، لأني في الفترات المحرجة كنت احاول تحاشي القول اني صحافي، وفي مجال التغطيات كان العمل كبقية المشتغلين، لكن بالنتيجة ان وجود المرء في هذا المجال وفي هكذا ظروف هو عمل خطر، ومحفوف بالكثير من المشاكل، خصوصا بالنسبة لمن يحتـك بالسياسيين وغيرهم عن قرب.
واظن ان تجربة السنوات الماضية بالنسبة الى كل الصحافة لم تكن تجربة جيدة، لم نفرز حتى الان وسائل كفوءة ومحايدة، لأن الاستثمار في عالم الاعلام هو استثمار سياسي وليس اقتصاديا، الا ان هذا لا يعني مستقبلا سيئا، انما يعني ان السنوات الماضية يمكن ان تكون درس فشل لتحقيق النجاح.
أخيراً ما هي رؤيتك لمستقبل الإعلام العراقي الخاص والعام؟
ضد أي قوانين تحاصر حرية الصحافة، حتى الصحافة الصفراء.. ومع اعادة انتاج شبكة الاعلام لتكون تابعة للدولة وليس للسلطة، شريطة ان لا تخضع للمحاصصة الحزبية، وهذا يعني ان تكون ممولة من الدولة ومستقلة في سياساتها.