كسل الصحافي وسعيه وراء البيانات الرسمية
الصفحة الرئيسية > أخبار وملفات > كسل الصحافي وسعيه وراء البيانات...
تستحوذ البيانات الرسمية الصادرة عن مؤسسات الدولة والمسؤولين على نتاج وسائل الاعلام المحلية بانواعها المقروء والمسموع والمطبوع مع غياب لافت لانتاج اخبار حصرية ميدانية، تؤشر كسل الاعلامي والصحافي في البحث عن تقارير خاصة، بينما تلجأ وسائل الاعلام الى ترجمة التقارير والتحقيقات الاجنبية التي غالبا ما تكون حصرية ومهنية دون استنادها فقط على المواقف الرسمية.
وعلى الرغم من تسارع الاحداث الامنية والسياسية والازمات الاجتماعية يقابلها انحسار سلبي في انتاج القصص الخبرية الحصرية، بينما يلجأ الصحافيون الى المؤتمرات الصحافية للمسؤولين وما يصدر عنهم من بيانات حتى في التقارير التي تتضمن جانبا ميدانيا.
العجيلي: العتب على الأنظمة الشمولية
ويقول رئيس مرصد الحريات الصحفية، زياد العجيلي، إن المدرسة الصحفية العراقية "ولدت في زمن الأنظمة الشمولية التي جعلت من الصحفي مجرد متلقياً وناقلاً للمعلومات ولايثير التساؤلات بشأن المعلومات التي ينشرها"، ويدلل على ذلك بأن "غالبية المواد التي تنشرها الصحافة المحلية غير مكتملة، ولا تلبي القواعد الرئيسة للصحافة أو اشتراطات الخبر".
وبشأن تقاعس الصحفيين في البحث عن المعلومة، يرى العجيلي أن غالبية الصحفيين العراقيين "لا يتحرون بنحو كافي عن المعلومات لأن مسؤوليهم في غرف التحرير يعتمدون على الوكالات الإعلامية والمنافذ الخبرية الجاهزة الأخرى أكثر، فضلاً عن أن الكثير من المراسلين غير مهنيين لم يحظوا بالتدريب والتأهيل الكافيين".
ويعزو رئيس مرصد الحريات الصحفية ذلك إلى كون المؤسسات الإعلامية المحلية "مقامة على أسس غير اقتصادية وبعيدة عن المهنية لأنها تابعة لأحزاب أو جهات سياسية ولا يهمها إلا تلميع صورتها والدفاع عنها للحصول على التمويل"، ويعدها "لا تهتم بالمضمون أو الضوابط والاشتراطات المهنية، أو لا توليها ما ينبغي من الاهتمام".
ويعتقد العجيلي، أن "التشكيك في البيانات والتصريحات الرسمية وتدقيق محتواها هو الحل الأفضل للخروج بمادة صحفية جيدة، وغير مضلّلة للجمهور"، ويرجح اعتماد أغلب وسائل الإعلام المحلية على المواد الأجنبية إلى كونها "متكاملة المعلومات ومبنية بأسلوب صحيح ومقنع من ناحية جمع المعلومات والتحقق منها".
شوقي: مطربة الحي لا تطرب
من جهتها ترى الصحافية والناشطة المدنية أفراح شوقي، إن الأخبار والبيانات الرسمية "ركناً أساساً من النشاط الإعلامي والخبري، لتضمين التقرير رأي جهة مسؤولة أو مختصة تجاه حدث ما أو توجه جديد".
لكن شوقي، لم تنكر وجود "حالة من الكسل في متابعة ما بعد الخبر أو البيان الرسمي، برغم كونه الجانب الأهم للتشجع على معرفة ردود الفعل والتغيرات التي تحصل في المجتمع والمشهدالسياسي والاقتصادي، ومقارنته مع أحداث أو أخبار وإحصاءات مضت، بنحو يشبع فضول القارئ ويعطيه تصوراًعمايجري من أحداث وتبعاتها".
وتضيف الإعلامية والناشطة المدنية، أن مسؤولية البيانات الرسمية "تقع على عاتق الجهات التي أصدرتها، وليس على الصحفي حرج إذا ما استعان بها، مالم تنشر الجهة المعنية تنويهاً بأنها لاتمثلها"، وتؤكد أن الصحفي ينبغي أنيكون على "دراية بالمواقع والصفحات الرسمية المعتمدة وأن ينوه للقراء بأنها مصدر المعلومات أو الأخبار التي أوردها نقلاً عنها، وأنه لم يتأكد من مدى مصداقيتها من مصدر محايد إذا ما نشرها على علاتها، ليترك الخيار لهمبشأنها".
وتعزو شوقي "عجز" الصحافي عن الحصول على المعلومة من الجهات الرسمية، إلى "عدم وجود تشريعات تؤمن له ذلك، ما يجعل تلك الجهات تغلق أبوابها بوجهه بدون أدنى اهتمام، ويتيح لها اختلاق الأعذار التي تؤمن لهاالبقاء بعيداً عن رقابة الإعلام"، وتبين أن الصحافيين أصبحوا نتيجة ذلك "يفضلون نشر البيانات والمعلومات الرسمية كما هي من دون تدقيق أو تمحيص ما يضر بالعمل الصحفي".
وترجع شوقي، ذلك إلى "اتساع مواقع الأخبار والفضائيات وانتشار الشبكة العنكوتية، التي شجعت الصحفيين بل وحتى المؤسسات الإعلامية على الكسل، وصار الحصول على الأخبار والمعلومات يتم بمجرد (القص واللصق) من خلال تصفح الانترنت مواقع التواصل الاجتماعي واستساخ ما تورده لإعادة نشره من دون مشاكل".
وتعتقد شوقي، أن مشكلة الصحافة العراقية تكمن بأن البعض "يتعامل معها على وفق مقولة مطربة الحي لاتطرب"،وتدلل على ذلك بأن العديدمن الجهات الرسمية والشخصيات السياسية "تفضل استقبال المراسلين الأجانب والتعاون معهم وتزويدهم بالمعلومات والأسرار، على حساب الصحفيين العراقيين، الذين تعاملهم بعدم اهتمام أو بتوجس وحذر، لذلك تصدر الأخبار والمعلومات المهمة والحساسة عن العراق من وكالات أو وسائل إعلام أجنبية ما يضطر الإعلام العراقي نقلها عنها".
الخطيب: العلة في دسك التحرير
بدوره يعزو الإعلامي باسل الخطيب تراجع صناعة الخبر المحلي إلى جملة أسباب منها "ضعف الإعداد المهني للعاملين في مجال الإعلام ودسك التحرير، فضلاً عن صعوبة الحصول على المعلومة المتكاملة وتداعيات الوضع الأمني وضعف المردود المالي للإعلاميين، برغم وجود العديد من الصحفيين والإعلاميين الواعدين الذين أسهموا ببث روح جديدة ومحرضة في الإعلام العراقي".
ويدلل الخطيب، على ذلك بأن العراق يعد من بين "أكثر البلدان في العالم خطراً على الإعلاميين وأن المئات من الإعلاميين العراقيين دفعوا حياتهم ثمناً لمواقفهم وما نشروه من مواد، فضلاً عما يتعرضون له من انتهاكات بلغت 477 فضلاًعن تسع حالات قتل خلال المدة من الثالثمن أيار 2015 المنصرم إلى الثالث من أيار 2016 فقط، بحسب مرصد الحريات الصحفية"، ويرجع ذلك إلى تداعيات الوضع الأمني، وظاهرة الإفلات من العقاب،وعدم وجود قانون فعال يحمي الصحفيين "تسببت في عزوف الكثير من الإعلاميين ومؤسساتهم عن إثارة مواضيع مثيرة للجدل، كقضايا الفساد على سبيل المثال لا الحصر".
ويحمل الإعلامي الخطيب، دسك التحرير "المسؤولية الأكبر في ضعف المواد المحلية المنشورة أو تراجع مساحاتها"، ويؤكد أن الكثير من المسؤولين عن أقسام التحرير "غير مؤهلين جيداً ولا يراعون الاشتراطات الواجب توافرها في المعلومات".
الشمري: فقدان المهنية
في المقابل يرى أستاذ العلاقات العامة في كلية الإعلام جامعة بغداد علي الشمري، أن المصادر الرسمية "عاملاً مهماً يتيح للصحفيين الحصول على المعلومة الحقيقية والصحيحة والدقيقة"، لكنه يقر أن الأداء الصحفي العراقي "يعاني من قصور واضح لأن أغلب الصحفيين لا يملكون الحدود الدنيا من الثقافة الصحفية مما يجعلهم مقلدين أكثر من كونهم منتجين".
ويعلل الشمري، ذلك إلى "عدم مهنية العديد من الصحفيين الذين امتهنوا المهنةمن دونمعرفةأصولها ومبادئها فضلاً عن أخلاقياتها".
كامل: الصدفة حطت من قدر العمل الصحفي
ويرى أستاذ الصحافة في كلية الإعلام جامعة بغداد حسن كامل، أن الكثير من الصحافيين العراقيين "لا يمتلكون رؤية ميدانية بسبب ضعف تأهيل معظمهملأنهمجاءوا إلى المهنة بالصدفة ومن دون إعداد جيد أوتسلح بالثقافة الكافية لإنتاج مواد رصينة".
ويحمل كامل المؤسسات الإعلامية "المسؤولية الأكبر في ذلك لتقصيرها بإعداد صحفييها وتأهيلهم لجعلهم أكثر قدرة على صناعة الخبر المحلي والمواد الصحفية المناسبة"، ويعزو ذلك إلى "تبعية غالبية المؤسسات الإعلامية الحالية لجهات سياسية أو حزبية وعدم مبالاتها بالجوانب المهنية بقدر الترويج والتطبيل للجهات الداعمة لها".