"كورونا" وأزمة الاعلام العراقي!
الصفحة الرئيسية > أفكار > "كورونا" وأزمة الاعلام العراقي!
صحافيا، يكشف وباء "كورونا" ازمة الاعلام العراقي المستحكمة، وبدى عليه غياب الخبرة في التعاطي مع قضية عالمية ومحلية بهذا الحجم، حصلنا على محتوى خبري في معظمه لا يختلف كثيرا ولا يصلح سوى لمنشورات في مواقع التواصل الاجتماعي.
وسط الكم الهائل من التغطيات عبر العشرات من وسائل الاعلام المحلية التي تفوق اقرانها في الشرق الاوسط، تمويلا وكوادرا، تتكشّف المحنة، بين التهافت لنشر الاخبار حول كورونا كأخبار عاجلة عبر كم هائل من المحتوى الخبري، ضاع الخبر المفيد، وتزداد المحنة مع اقحام الساسة في القضية.
العادة الكلاسيكية لدى اعلامنا، ابعث المراسلين الى الشارع واجلب التصريحات، اي تصريحات، المهم ان تحتوي مفردة كورونا، اما في استوديوهات برامج "التوك شو" الرئيسية، فما على المقدمين والمعدين سوى تحويل عناوين حلقاتهم من مفردات السياسة الى مفردة كورونا، مع الحفاظ على ذات الضيوف من الساسة!
لا تتدارك وسائل الاعلام نفسها، ولا يدرك الساسة "نجوم" نشرات الاخبار حجم الملل الذي يسببوه للجمهور، وكيف تتحول تصريحاتهم المرئية الى مقاطع فيديو للتندر في مواقع التواصل الاجتماعي.
لماذا يجلس الساسة في استوديوهات "التوك شو" ونشرات الاخبار حتى الان؟ لماذا عليهم هم فقط ان يخبرونا عن "كورونا"؟ من المسؤول عن تحجيم دور المتخصصين والاطباء في الظرف الراهن؟ انها محنة الاعلام العراقي.
دخلت "كورونا" مادة في التحليل، والقضية لا تتحمل، لكنه تحصيل حاصل عندما تُجلس سياسي بلا اختصاص للنقاش حول القضية، فالميدان السياسي والامني العراقي نفسه، ملّ من ازمة التحليل بل اصبح جزءا من المشكلة العامة وتجاوز الى تهديد السلم الاهلي.
وسط ضجيج التحليلات ضاع الخبر تلك القيمة الاساسية للاعلام، سقطت جحافل الاعلاميين والصحافيين في فخ سرديات التحليل لا المعلومة، واذا كان التحليل مقبولا في ميدان السياسة، فهو محرّم في ميدان الطب، بالذات مع الوباء الحالي.
مثلا، على مدى ساعات وفي اكثر من قناة تلفزيونية لم يستثمر اعلاميون الوقت لتوجيه الاسئلة الصحيحة لضيف مثل وزير الصحة، لم يسأل احد (وبالتالي حُرمنا من المعلومة) لماذا الوفيات لدينا نسبة الى الاصابات هي الاعلى عالميا؟ هل اعداد الاصابات المعلنة غير صحيحة؟ ام ان الفيروس في البلاد فتاك بشكل كبير؟ ام ان القضية مرتبطة بضعف الامكانات الطبية؟ اذا كنا نتجاهل سعينا لمعلومة سياسية وامنية، من حقنا ان نعرفها في وباء كورونا، من الضروري معرفة المشكلة الحقيقية لتداركها قبل فوات الاوان.
كانت المشكلة وما زالت مع الخبر، يلهث الاعلاميون وراء تصريحات الساسة ومؤتمراتهم الصحافية محشّدين بفكرة انهم المصدر الوحيد للخبر، في حين ان الخبر قد يكون لدى منزل عائلة منكوبة تشرح مأساتها لتكشف بسهولة الازمة السياسية والاقتصادية، او عند جندي بسيط عند اقصى حدود البلاد يخبرنا تحديات الامن، لا عند جنرالات كبار مدربين على عبارات سردية مقولبة بلا خبر.