محاولة ايجاد بدائل لمصطلحات داعش في غاية الحساسية
الصفحة الرئيسية > أفكار > محاولة ايجاد بدائل لمصطلحات داعش...
إن دراسة ظهور المصطلحات اللغوية في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وأشكال الاتصالات الأخرى بمستوياتها كافة وعبر كل مراحل التاريخ البشري تؤكد لنا الدراسات أنها انعكاس لأيديولوجيات دينية أو سياسية وتشكل الإطار الثقافي للعقل البشري في زمانه ومكانه وتنمو هذه المصطلحات بالتكرار أو الابتكار وتغذيها وتسرع من وتيرتها الصراعات والنزاعات المحلية والدولية وتنشطها طرق الترويج لها وقد يسهم الخصم بنشر مصطلحات الطرف الاخر وبالعكس.
وتجتهد الأطراف المتصارعة لصياغة مصطلحات لغوية أو صورية أو فعالية، تتحول إلى رموز مؤثرة على الجمهور المستهدف لتعبيراتها الموجزة القوية التي تحاكي عاطفة الضحية ولهذا فهي تحاول نبش الذاكرة لإيجاد إطار دلالة مشترك.
أن تأمل خطابات ومصطلحات الحروب القديمة والحديثة سنجد أن الدعاية تعتمد على كم هائل من الوسائل النفسية والتقنية لاستمالة الجمهور وكسب تأييده.
وما جرى بعد الحادي عشر من سبتمبر يمثل مرحلة من أغنى مراحل الصراع الدعائي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ونهاية الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي عام 1990، فقد تشكل ما يسمى (التحالف الدولي ضد الإرهاب) وهذا بحد ذاته مصطلح له تأويلات ودلالات تعمقت وانتشرت لهذه الحرب التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، فتشعبت مفاهيم الإرهاب وتفرعت عن التسمية مصطلحات فرعية بصيغة كلمات وعبارات أو شعارات أو صور ورموز في إطار (الحرب على الإرهاب).
وبرز محورين، الاول استهدف تنظيم القاعدة وتحشيد الرأي العام ضد افعالها و التمهيد للحرب ضد أفغانستان. والمحور الثاني للحرب ضد صدام حسين تحت شعارات تدمير أسلحة الدمار الشامل واسقاط الدكتاتور وحماية الأقليات ودول الجوار من حلفاء أمريكا…لقد تزايد تكرار ونشر هذه المصطلحات في وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية والدول الأخرى خاصة في الشرق الاوسط لقرابة 50 بالمئة عما كان عليه قبل تفجيرات برج التجارة العالمية وانتشرت المصطلحات والرموز لتمتد عبر وسائل الإعلام كافة والخطابات ومنابر الثقافة والفن وحتى صناعة ألعاب الأطفال التقليدية.
وفي الطرف الآخر هنالك تجربة دعائية هائلة لتصنيع المصطلحات والرموز بأحدث التقنيات لكسب الأتباع والمقاتلين وإثارة الكراهية والأحقاد بطرق ذكية غير مباشرة تحاكي العقل الباطن للانسان وتحرضه في ضوء معتقداته الدينية وأعرافه الاجتماعية وأحواله الشخصية في محاولة لتضليله وغسل دماغه. وقد ابتكر داعش أساليب متعددة لتنفيذ مخططاته مستخدما أكثر الطرق تفاعلا مع الجمهور وإتاحة واسعة تخترق الحدود وبأسعار زهيدة.
لقد استخدم داعش الرمز المثير للمشاعر في كسب الاتباع أو ترويع الخصم عبر اللغة والمصطلح المستمد من القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية واستخدام الصورة المحفزة للمشاعر الدينية وتتطور هذه التسميات مع تصاعد الصراع، فبعد القاعدة أصبحت الدولة الاسلامية ثم دولة الخلافة وأصبح شعار داعش بالراية والملابس السوداء والخط الكوفي القديم وكأنها استعادة لراية الرسول محمد والتذكير بحروبه ضد الكفار والمرتدين أي استرجاع الراية والعمامة السوداء العلوية القريشية ومصطلحات صدر الرسالة الاسلامية كما فعل البغدادي في خطبته الاولى وكأنه يستعيد عصر الخلافة….
وتطورت التسميات فالشيعة روافض والسنة مرتدين والمسيح صليبين والنظام السعودي آل سلول…..
ونتأمل عناوين المواقع الالكترونية الداعشية فكلها تحمل المصطلح الإسلامي اللغوي التحريضي وكذلك الصور وحتى استخدامات التكوينات الخطية والالوان فنقرأ من هذه العناوين…دابق ..معسكر البتار …الخنساء …الأنصار…. الجماعة… الفتح… نداء الاسلام…. صدى الجهاد… البلاغ… انبعاث….الرسالة…
إن محاولة إيجاد مصطلحات بديلة لمصطلحات داعش مسألة في غاية الحساسية وتحتاج للاطلاع المعمق على التراث العربي الإسلامي ومحاولة إيجاد مصطلحات بديلة ومعاصرة لمواجهة خطاب الكراهية دون استفزاز المشاعر الدينية وبالإمكان وعبر خطابات معتدلة لرجال الدين تنمية مصطلحات بديلة وسحب البساط تدريجيا من تحت أقدام مروجيه، وترتبط هذه العملية بالتأكيد مع استخدام الرموز البديلة واتباع وسائل غير مباشرة ومبتكرة، ويرتبط ذلك أيضا بطبيعة ونتائج الحرب على الإرهاب مباشرة وبطرق ناعمة تديرها غرف ذكية. ومن خلال تنسيق مستمر بين أجهزة الإعلام الكبرى في العالم وإدارات الشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة وتأثيرا.
ا. د هاشم حسن التميمي
العميد السابق لكلية الإعلام جامعة بغداد
الدرجة العلمية بروفيسور في فلسفة الإعلام/كاتب وصحفي منذ عام 1974/ ناشط مدني/ نشر العديد من الكتب والأبحاث وآلاف المقالات