الصحافة وقصة الاقتصاد العالمي
الصفحة الرئيسية > أخبار وملفات > الصحافة وقصة الاقتصاد العالمي
عندما اجتاحت الازمة المالية العالم كان علينا أن نتساءل عن السبب في عدم إعطاء اهتمام كافي لوجود أزمة تحل باقتصاديات آسيا ويكون لها آثارها في الأسواق العالمية، فإلى وقت ظهور الدلائل الأولى لعدم الاستقرار المالي في تايلاند كانت بلدان شرق آسيا تحسد على ما تحققه من معدل نمو سريع.
إن تأثير تلك الأزمة قد غير حياة العديد من الأشخاص، وسرعان ما تعاقبت الآثار السيئة لتمس البلدان المجاورة، وتمثل ذلك فيمن فقدوا وظائفهم، أو عمليات ترحيل العمال المهاجرين، وحدوث حالة من عدم الاستقرار السياسي وسوء أحوال العمالة، والاضطرابات الحادثة في الأنظمة المالية والمصرفية، فضلاً عما ألم بالبورصة وأسواق الأسهم من اضطرابات في كافة أنحاء العالم، وكان أن سارعت تايلاند وكوريا الجنوبية إلى تغيير الحكومة في حين تزايدت الضغوط المناهضة لحكومة سوهارتو في إندونيسيا.
ولسنا بحاجة فقط إلى دراسة تلك التجربة من الناحية الأكاديمية، بل ينبغي تعميق الفهم لهذه الأزمة، حتى يستطيع المواطنون التعامل مع تقلبات دورة الأعمال، وفهم ظروف الاقتصاد على الوجه الأمثل، إن الازدهار والنمو له تأثيره الجم على نوعية الحياة في كل مكان، ولذا سيساعدنا كثيراً لو أمكن مناقشة القضايا الاقتصادية بعيداً عن جمهرة الخبراء.
ووجدت الأزمة الاقتصادية في آسيا مجتمع الخبراء وقد أعياهم الشرح والتفسير، وتدفقت التعليقات لتشمل نطاقاً عريضاً من العوامل بما في ذلك فشل الحكومات السلطوية والقيم الآسيوية التي تعتنقها، والنظام الرأسمالي، والفساد المستشري، والمضاربين الأجانب وأموالهم "الساخنة" كما يقال.
ولم تكن هذه العوامل خفية فيما مضى، فالنظم الرأسمالية والقيم الآسيوية قد أخذت نصيبها من البحث والدراسة ، وكانت البلاد تخطب ود المستثمرين الأجانب بعد أن شهدت النظم المالية مرحلة انفتاح كي تسير في ركب العولمة.
ومن المفارقات الغريبة أن النمو الاقتصادي السريع واكبه بروز قضية المعلومات على السطح بوصفها قضية هامة من القضايا المتعلقة بالأعمال والتجارة وغيرها من المجالات الأخرى، وبات الالتزام نحو نشر المعلومات وإتاحتها من أهم جوانب التنمية، وأصبح التزام الحكومة بعصر المعلومات فقرة ثابتة في بيانات الحكومات، وترجمة ذلك إلى مزيد من التركيز على تكنولوجيا المعلومات، وأتاح النمو السريع لمنظمات الأنباء في المنطقة فرصة تبادل المعلومات بين مجتمعات الأعمال والأوساط المالية، ومع تزايد عبور الأعمال خارج الحدود الوطنية اكتسبت قضية المعلومات والبيانات أهمية قصوى بالنسبة لمن يرغب في ممارسة الأعمال في آسيا.
إن بروز القضايا الاقتصادية على رأس جدول الأعمال القومي يفرض تحدياً جديداً على عاتق الصحافة، إذ يتعين عليها نشر الأنباء الاقتصادية بصورة تلائم العامة وتجذب انتباههم، وصياغة مناقشات القضايا السياسية بطريقة تساعد العامة على الحكم على المسائل الاقتصادية، إلا أن أسلوب عرض هذه القضايا وتنسيقها في الصحف ى يشجع المواطن العادي على قراءتها، وهي لا تخاطب بهذه الطريقة سوى مستوى معين من القراء من المتخصصين في هذا المجال.
وبينما بدأت اقتصاديات البلاد طريقها نحو إعادة البناء واستعادة مواردها يجدر بنا أن ندرس ونناقش ما إذا كانت الصحافة قد قامت بواجبها نحو عرض المعلومات الاقتصادية بصورة مناسبة، فلم يعد كافياً التفكير في الأخبار الاقتصادية كمواد إعلامية موجهة فقط للعاملين في دوائر المال والأعمال سواء في الحكومة أو القطاع الخاص، ويجدر إعداد القائمين على إدارة الأعمال والأنظمة المالية وكذلك إعداد من يتحملون عواقب التقلبات الاقتصادية إذا أن تدهور الاقتصاد أو انتعاشه يترك آثاره على الجميع على حد سواء.
الصحافة والاقتصاد
إن أي نقد يوجه للصحافة يجب أن يأخذ في الاعتبار طريقة تفاعل الصحافة مع ثلاثة مصادر رئيسية تستقي منها المعلومات، ألا وهي الحكومة ورجال الاقتصاد ودوائر الأعمال، وقد قامت صحيفة "الصحافة والاقتصاد" التي يحررها ريتشارد باركر أحد كبار المسؤولين بمركز شورنشتاين للصحافة والسياسة والسياسات العامة بكلية كندي لدراسة أساليب الحكم – قامت بتحليل الطريقة التي صاغت بها المناقشات العامة القضايا الاقتصادية في الصحافة الأمريكية.
وردت شكاوى من المواطنين في أوائل السبعينات حول التقارير الاقتصادية، وجاءت الانتقادات بشكل أساسي من المجموعات ذات الاهتمام الاقتصادي مثل رجال الأعمال والصناعة واتحادات العمال ومنظمات المزارعين والمستهلكين بسبب أسلوب مناقشة قضايا الاقتصاد، ومنذ ذلك الحين زادت المساحة والوقت المخصصين للأخبار الاقتصادية أكثر من ذي قبل، وضاعفت وسائل الإعلام بما في ذلك التليفزيون والإذاعة والصحافة من جهودها لتغطية الموضوع بمختلف قضاياه، كما صدرت المطبوعات الاقتصادية المتخصصة والكتب التي ساعدت على توسيع نطاق المناقشات الاقتصادية.
واستجابت الصحافة من موقعها لمجريات الأمور مع وجود توجه سياسي واتجاه لمعالجة كافة القضايا في إطار سياسي، ووظفت التقارير الاقتصادية أسلوب القص السياسي في عرض وجهات النظر والجدل الدائر حول المشاكل الاقتصادية، واعتمد الصحفيون على المصادر الحكومية الرسمية وتأويلاتها في التغطية الإعلامية، وتميزت التقارير الصحفية بوجود كم هائل من التغطية الحكومية، وانقسم المحررون الاقتصاديون في مانيلا إلى مجموعات طبقاً لتصنيفات الوكالات الحكومية تتخصص كل مجموعة في قطاع محدد كالمالية أو البنوك أو البنك المركزي أو التجارة أو الاستثمار.
وتستطيع الصحف والمجلات الاقتصادية أن تلعب دوراً أكبر وأكثر أهمية في تغطية الأخبار الخاصة بالبيئة والاتجاهات، وإعداد تقارير مفصلة وتحقيقات حول تجاوزات المؤسسات، إلا أن التقارير الصحفية الاقتصادية غالباً ما تعكس وجهات النظر الدائرة في اجتماعات مجالس الإدارات ومكاتب الحكومة، كما يلاحظ أيضاً أنه يجري الاستعانة بصغار المحررين لتغطية المجالات الهامة والحيوية.
وفي ضوء التعقيدات المتزايدة وسرعة التغيرات في العالم يجدر بنا مراجعة الأساليب التقليدية للتعلم والفهم وتعديلها إذا اقتضت الضرورة، ويشمل ذلك أساليب فهم الاقتصاد والأساليب التقليدية للصحافة.
وتشمل المشكلة أيضاً طريقة معالجة الأخبار ومنظور مهنة الصحافة التي تحجم من نطاقها وتحجب المعلومات ذات الطبيعة الخاصة التي تتحدث المشاكل والتغيير عن الشعب، والمعلومات الاقتصادية خير مثال على ذلك.
ومن الدلائل المبشرة أن النقد الموجه لوسائل الإعلام بدأ من داخل المجتمع الصحفي ذاته، وتجدر الإشارة إلى أن هذا البحث يعتمد على الأدبيات في الولايات المتحدة الأمريكية حيث دعا أسلوب تناول الصحف للأخبار الاقتصادية والتجارية إلى ضرورة تغيير الأداء وتطويره.
ويعد التدريب من الوصفات التي غالباً ما ينصح بها كعلاج لعيوب الصحافة بشكل عام، ومن الممكن في حالة تبني منهج متعدد رأب الصدع في هذا المجال ، ولذلك يجب تشجيع المحررين على التدريب سواء العاملين في المجال العام أو السياسي، ولاشك أن التعرض للمجالات المتخصصة سيساعد الصحفيين على الخروج من قوالب الصحافة التقليدية ولفت انتباههم للتغيرات الجارية قبل فوات الأوان.
*مليندا كينتوس المدير التنفيذي بمركز حرية الصحافة