أهم ١٠٠ صحافي في العراق
الصفحة الرئيسية > أفكار > أهم ١٠٠ صحافي في العراق...
اشعر بزهو وفخر وأنا استرجع السنوات الاثني عشر الماضية من عمر صحافة العراق حيث أراقب ما كان الأساتذة والزملاء يحاولون انجازه، وها هو يتحول اليوم إلى واقع قائم بذاته على شكل خدمة معلومات محلية تأخذ موقعها في المنطقة والعالم، ومصدر عراقي موثوق تنهل وتقتبس منه وسائل الإعلام الأكثر تأثيرا على الصعيد الدولي، حتى لو لم تعترف بذلك، كما يشير مهتمون أجانب ودبلوماسيون نلتقيهم في حفلات الكوكتيل أو وسط النقاشات المحتدمة حول طاولة مستديرة، هنا أو هناك.
صحيح انه لا تزال هناك مليون ثغرة في الصحافة العراقية، ولحد الآن فان عدد العناصر الكفوءة اقل من أن يملأ الفراغ في عدد متضخم من وسائل الإعلام، لكنني استرجع اللحظات منذ صيف ٢٠٠٣ حيث حصل العراقيون على حق نسبي في الكلام، وحتى مطلع هذه السنة الأصعب، وأتذكر كيف بدأت الصحف والفضائيات المحدودة حينها، بالأخبار القصيرة التي لا تحمل سوى تصريح مقتضب فيه رأي ملتبس ممزوج بمعلومة خجولة، وعبر سنوات وبفضل مثابرين من كل الأجيال، تلمس العراقيون طريقهم إلى الأداء الأكثر حرفة وعمقا ورشاقة أيضا، حتى بات لدينا اليوم أسماء معروفة يتابعها المهتمون العرب والأجانب، وهؤلاء عراقيون وعراقيات تعلموا هنا، وهم يكتبون لا مقال الرأي فحسب، بل النص الخبري الطويل والممتع اللماح، الذي يسرد الحكاية على طريقة مدارس الكتابة الصحافية المتطورة، وهم الآن أسماء تتنافس عليهم في سوق النشر والإعلام، مؤسسات محلية ودولية، يمثلون مستقبل هذا الفن في البلاد، ولي شرف زمالة عدد منهم، أو الإشراف على تطور عدد آخر، في عملية تعلم وفهم كانت أمتع تجاربي في الحياة.
وحسب اختبارنا لآلام السنوات الثلاثة الماضية بشكل خاص، فان الجمهور نفسه أدرك أن الصحافة ليست ترفاً أو حاجة كمالية، في خضم التحول السياسي والمراحل الانتقالية، إذ لا حقوق إنسان بلا صحافة، ولا رقابة نيابية بلا أخبار تتابع، ولا تحرك لجماعات الضغط بلا كم معلومات يتدفق على مدار السنة، ولا تصالح بين المجتمع بلا درجة صراحة يوفرها الصحافيون، بل أن صحافيي العراق الأبرز اضطروا لملء فراغات المجتمع في أحيان كثيرة، مستفيدين من "حصانتهم المهنية" أو نجوميتهم أحيانا، فوقفوا يشجعون الجمهور في طليعة المظاهرات والاعتصامات، وخلقوا التيار الاحتجاجي داخل السوشيال ميديا العراقية، وقدموا نموذجا نشأت حوله مواهب شبابية من بنات وأولاد، منتشرين في ربوع البلد والمهاجر الواسعة.
ولا حاجة بهذا المقال إلى تسجيل مشاكل عملنا اليومي في غرف الأخبار، ومعاناتنا المعقدة داخل سياسة دموية في الغالب، ومجتمع انفعالي، ومراكز قوى صعبة المراس، واستقطاب إقليمي رهيب، وتمويل قلق وغير طبيعي لكل المشاريع، وحكومة لا تزال تائهة في تحديد موقفها من الصحافة، فهذه مشاكل عادية حصلت في ألف بلد وسنتعافى منها بقدر تعافي السياسة والاقتصاد ومزاج الناس، لكن السؤال الكبير الذي لم ننشغل به كفاية حتى الآن هو: كيف يمكن توفير استثمار امثل في سوق من ٣٥ مليون نسمة، لقدرات أهم ١٠٠ صحافي عراقي خبير، وتحويلهم إلى ١٠٠٠ خلال السنوات الخمسة المقبلة، والحفاظ عليهم من عوامل طاردة وباعثة على اليأس؟
إن التطور الحاصل خلال ١٢ عاما كان إلى حد كبير، عملاً فطريا وفرديا، حتى لو جرت رعايته من قبل مؤسسة أو فرصة جيدة نادرة، والمهم اليوم أن نفكر باستغراق لدراسة: كيف حصل هذا التطور لأهم ١٠٠ شخص ينتجون مواد للجرائد والتلفزيون والوكالات المحلية، وكيف يمكن رعاية هؤلاء وتحويلهم من مجرد أفراد موهوبين بذلوا جهدا لتدريب أنفسهم، إلى مدرسة عراقية حقيقية في الصحافة، لديها لا ملامحها الخاصة فحسب، بل سبيلها الواضح للاستمرار والديمومة.
لقد حان الوقت كي يعقد أهم ١٠٠ عراقي خبير في فنون الكتابة الصحافية الحديثة والإنتاج الإعلامي، مؤتمراتهم وندواتهم، للتفكير بصراحة بما أنجزوه خلال ١٢ عاما، وتحديد المطلوب فعله في خطة خمسية، لإعلان ولادة المدرسة العراقية، التي يحتاجها عراق انتقالي معقد، ويحتاجها العالم اجمع، المتطلع لفهم بلادنا. ويمكن لفريق ناجح أن يصمم طريقة العمل المشترك والنقاش الجاد واختيار المعايير، التي تمنع تحول السجال هذا إلى مجاملات روتينية ونصائح مملة. وستكون مخرجات حوار ناجح حول الصحافة، أول ورقة محترفة محلية، صالحة للجدل مع الوسط الصحافي الدولي، حول ما نريد وما نحتاج سوى المال الناقص والورش غير المنتجة.