صحفيون لـ "بيت الاعلام العراقي": الاعلام واقع في فخ البيانات الرسمية بلا تدقيق
الصفحة الرئيسية > أخبار وملفات > صحفيون لـ "بيت الاعلام العراقي":...
اجمع صحفيون عراقيون في استطلاع نظمه "بيت الاعلام العراقي" على ان غالبية وسائل الاعلام تعتمد على البيانات الرسمية من دون تحريرها وإعادة صياغاتها بطريقة مهنية، ويعتقدون ان أسباب ذلك تعود إلى تسابقها مع الزمن ومحاولة كل جهة نشر أكبر عدد من المواد الصحفية اليومية دون ان تكبد عناء إعادة تحريرها ووضع لمساتها، الامر الذي ينعكس سلبا على الأداء العام للمؤسسات الإعلامية لا سيما اذا ما اتضح فيما بعد ان الاخبار غير دقيقة وعلى الصحفي الذي يتحول بمرور الوقت إلى ناقل للخبر بالتالي تضيع مهنته الأساسية وهي البحث عن الحقيقة.
ويقول مراسل قناة "فرانس 24" إبراهيم صالح ان غالبية وسائل الإعلام "لا تتعامل مع مضامين البيانات الرسمية بطريقة صحفية وتنقلها كما هي وأحياناً حتى العناوين تنشر كما ترد من المصدر من دون بذل اي جهد لقراءتها والبحث عن الأهم فيها لتقديمه والتركيز عليه ومحاولة تقريب المقصود منه او ما يعنيه البيان من المتلقي فضلا عن عدم فهم اسباب نشر هذا البيان او ذاك في أغلب الأوقات ما ينعكس على المتلقي الذي لا يعرف أحياناً ما معنى او مناسبة نشر الخبر بالأساس".
ويعتقد صالح ان ثمة أسباب كثيرة وراء شيوع ثقافة “copy paste” منها:
1- اعتقاد بعض الإعلاميين بان “من ينشر أسرع وأكثر هو الأفضل".
2- تركيز وسائل الاعلام على ملئ مواقعها "الحشو" لإظهارها بمظهر "الحيوية والنشاط".
3- سوء اختيار المؤسسة لصحفيين محترفين متقنين لكيفية تناول المحتوى الخبري بسبب "قلة الموارد المالية التي لا تسمح بالتعاقد مع صحفيين جيدين وتشغيلهم، او لأسباب حزبية او لمجرد العمل ليجدوا أنفسهم أمام مسؤولية أكبر من قدراتهم بكثير او لأسباب تتعلق بجهل مالكي المؤسسات الإعلامية للعمل الصحفي وبالتالي عدم صحة تقييمهم لمستوى العاملين في مؤسساتهم" وهذه الأسباب تجعل من غير الممكن للمؤسسة تصحيح خط مسارها فيما يتعلق بهذا الأمر.
ويرى مراسل قناة "فرنس 24" ان انعكاسات هذا الموضوع كثير تبدأ "بالتأثير على الوسيلة الاعلامية نفسها التي ستصبح مع مرور الوقت خارج حسابات المؤسسات الاعلامية الفاعلة كما ستؤثر على الصحفي الذي يصبح اشبه بمجرد ناسخ يقوم بنقل نصوص من مكان إلى آخر".
ويضيف ان الأثر الأكبر التي تخلفه هذه الظاهرة يقع على المتلقي لان "هذا الشكل من الأخبار يفقده قدرته تدريجياً على فهم ما يحدث وهو نفس الأمر الذي ينعكس على المؤسسة الاعلامية والصحفي من خلال الاعتقاد بأن ما يقدم للمتلقي مهم بينما هو يفقد أهميته بسبب معاملته بطريقة النسخ لأجل النسخ لا أكثر".
وعن كيفية الحد من انتشار هذه الظاهر يقترح الصحفي إبراهيم صالح مجموعة من الخطوات تبدا في "بحث الصحفيين أنفسهم على أن يكونوا اكثر ثقة من خلال فهمهم لكل بيان او خبر مجرد ومحاولة تقديمه بطريقة تجعل المتلقي يفهم لماذا يتم نشر هذا الخبر ولو لاحظنا مواقع التواصل الاجتماعي سنجد ان اغلب الصحفيين الضعفاء في تحرير الاخبار في وسائل الإعلام يمتلكون أساليب وطرق تقديم وطرح مميزة ومقنعة في صفحاتهم الشخصية والسبب يعود لأنهم يجدون الثقة والاستقلالية والحرية الكافية للتصرف بالنصوص اكثر من وسائل الإعلام التي يعملون فيها، كما يجب منح الصحفي حقه في ذكر اسمه في المواضيع التي يعمل عليها لأشعاره بنوع من المسؤولية وايضا منحه الثقة بالنفس للخروج من نطاق العمل لأجل العمل فقط".
ويطالب صالح وسائل الإعلام "بإعادة النظر في أساليب عملها حتى في حال كانت تسيطر عليها الأسباب المذكورة أعلاه من أسباب حزبية ومالية وغيرها لتتمكن من شق طريقها نحو دائرة الفعالية والتأثير الإعلامي واخضاع صحافييها حتى وان كانوا دون مستوى العمل إلى دورات تدريبية تخرجهم من هذا الإطار".
ويلفت صالح ايضا إلى ان المتلقي يتحمل المسؤولية من خلال محاولته رفض الاخبار المنقولة بهذه الطريقة والابتعاد عنها سواء بعدم متابعتها او مشاركتها او احراج العاملين عليها من خلال سؤالهم عما هو مجهول فيها وبالمقابل هنالك حاجة لتثقيف المتلقي بماهية واجبات الصحافة تجاهه وهذا الأمر يمكن تحقيقه من خلال حملات تثقيفية تشابه التجارب التي تم اجراؤها في العراق ودول أخرى لمحاربة الشائعات والأخبار الكاذبة وغيرها".
من جهته يقول الصحفي رامي الصالحي ان "اغلب الوسائل الاعلامية اصبحت الان تعتمد بصورة رئيسة على التعامل مع المواد الخبرية (البيانات الرسمية) كأنها مادة خبرية جاهزة للنشر في المواقع الخبرية او التلفزيون وغيرها من وسائل الاعلام وبالتالي ان انتشار هذه الظاهرة السلبية باتت تؤثر بشكل كبير على دور الاعلام بشكل عام كون اغلب البيانات الرسمية قد يشوبها الخطأ في المعلومات وغيرها وهذا يعني ان المعلومات ربما تكون مغلوطة احيانا وهذه الامر قد يأتي نتيجة دون قصدية من الجهات المعنية او قصدية وعلى الصحفي في هذا الامر اعادة صياغة المعلومات الواردة في البيانات والتأكد منها احياناً".
ويعتقد الصالحي ان هنالك عدة أسباب وراء شيوع هذه الظاهرة أبرزها "غياب تقنين يحكم الصحافة الإلكترونية كقوانين ترخيص إصدار وإطلاق المواقع الإلكترونية وتشريعات مواثيق شرف أخلاقية تنظم العمل الصحفي الإلكتروني لهذه المواقع وعدم وجود ضوابط فكرية تحكمها كقوانين حماية حقوق الملكية الفكرية الإلكترونية وحماية حقوق المحتوى الإخباري الإلكتروني وتنظيم مسائل جرائم النشر الإلكتروني كجريمة السرقة الإلكترونية للمحتوى الإلكتروني.".
ووفقا للصالحي ان هذه الظاهرة تؤدي إلى "فقدان الثقة في هذه المواقع وبالتالي تفقد المواقع الإخبارية شعبيتها وقراؤها ومعجبيها ومتابعيها وجمهورها العريض ليصل بالمواقع إلى تشتت تركيز الجمهور على الموقع الالكتروني وبالتالي يخلق ملل من زيارة وتصفح صفحات هذه المواقع الإخبارية".
وعن كيفية الحد من هذه الظاهرة يقترح الصالحي "سن قوانين التي بدروها ستتحكم بالنشر الالكتروني خلال وضع اسس وضوابط يمكن السير على موادها ووضع عواقب بحق مستخدمي “copy paste” ".
اما رئيس تحرير “شبكة الاخبار الكردية" صلاح بابان فانه يتفق مع زملائه بان "التسابق مع الزمن بين الوسائل الاعلامية وخصوصاً الوكالات في نشر الخبر، يدفع المواقع الاخبارية الى نشر الخبر أو البيان copy pasteمن مصدره أو نقله من وكالة أخرى دون اجراء أي تغيير فيه، وهذا ما يعتبر احدى أبرز النقاط السلبية في عمل الوكالات والمواقع الاخبارية المحلية في العراق"
ويضيف ان الامر يختلف تماما مع الوكالات الدولية، كونها ترفضcopy paste وتنشر الخبر أو البيان بعد اجراء تغيير شامل في صياغته وتذليله من خلال اضافة معلومات اضافية في متن او نهاية الخبر، مما يضيف صورة أكثر جمالية له ناهيك عن قلة الخبرة للمحرر وعدم درايته بـ"سلبيات" النشر دون اضافة او تغيير"
ويربط بابان أسباب شيوع هذه الظاهرة بـ "عدم وجود خبرة كافية ولغة سليمة للصحفي "المحرر"، يدفعه الى النقل المباشر للهروب من المسؤولية الصحفية دون صياغة الخبر، كون الاخير يُعتبر أسهل طريقة لنشر الخبر دون أية تكلفة بدنية وفكرية. "
ويرى رئيس "تحرير شبكة الاخبار الكردية" ان هذا الامر " يقلل من مهنية الوكالة او المؤسسة الاعلامية، اضافةً الى تزيد من احتمالية وقوع الاخطاء وتكررها بين أكثر من مؤسسة، وهذا ما لاحظته خلال عملي المتواضع في الصحافة، وتقيّد من تطوير المؤسسة ودفعها نحو الامام، وتجعل الصحفي المحرر يدور في دائرة ضيقة باستمرار"
ويقترح "الالتزام بالمعايير الصحفية والمهنية والتسلّح ثقافياً وفنياً والاعتماد على النفس اضافةً الى زيادة التدقيق والرقابة من قبل رؤساء التحرير واجبار المحرر على اعادة صياغة الخبر ضمن الإطار العام للمعلومات معتقدا بانها خطوات تساهم في حد ما من تقليل ظاهرة "“copy paste” في الوكالات الإخبارية".