الصحافة الورقية تكافح في عصر مواقع التواصل الاجتماعي
الصفحة الرئيسية > أخبار وملفات > الصحافة الورقية تكافح في عصر...
ترجمة سارة الرواي
فاقم دخول العالم العصر الرقمي، والصعود السريع لمواقع التواصل الاجتماعي، مثل تويتر وفيسبوك وانستغرام، من معاناة صناعة الأخبار، ومعدل قراءة المواد المطبوعة، مثلما زاد من معدل إغلاق الصحف الورقية.
وقد اضطر ذلك الصحف الكبيرة إلى عمل تغييرات جوهرية للتصدي لنقصان عدد القراء، من خلال تقليص حجم قصصها، وإضافة التعليقات، ومحاولة استثمار التقنيات الجديدة وتسخير مواقع التواصل الاجتماعي لصالحها،
إن العصر الرقمي يحتم توصيل الأخبار بـ 140 حرف أو أقل، ويبدو أن عصر الوودورد وبرنستين Woodward&Bernstein، وإدوارد مورو Edward R. Murrow، ووالتر كرونكايت Walter Cronkite ، وغيرها من الصحف الكبرى أو الصحفيين المعروفين، قد انتهى.
لكن هذا يعد تخميناً غير عادلاً، لأن الصحف غير متأكدة بشأن ما ينبغي عليها فعله للرد على التحديات التي تواجهها في عصر التقنيات الجديدة، لذلك تعمل صناعة الأخبار بلا كلل على تجريب طرق مختلفة لمراعاة اهتمام القراء، ضماناً لإبقاء الصحافة حية.
مكافحة التراجع
تقول إيمي ميتشل Amy Mitchell مديرة الأبحاث الصحفية في مركز بيو للأبحاث Pew Research Center ، إن "التفكير بالطريقة التي يستخدم فيها الناس الفضاء الرقمي والتفكير بوظائف المحتوى في الفراغ الرقمي، كان تحدياً لصناعة الأخبار، لأنه ليس الشيء الذي تأسست له"، وتعزو ذلك إلى أنها "تكسب معظم دخلها من الإعلانات والاشتراكات، فقد جدت بعض الصحف البارزة نفسها بخزينة شبه فارغة، إذ نقص الدخل الكلي للصحف عام 2013 بنسبة 2.6%، أي ما يعادل مليار دولار".
وتضيف ميتشيل، أن "صحف نيويورك تايمز، وول ستريت جورنال، وأمريكا اليوم، تكبدت خسارة كبيرة، مما أجبر كل واحدة منها على إلغاء 20 إلى 100 وظيفة في غرفة الأخبار"، وتبين أن "الصحف تعمد غالبا إلى طرد أكثر الصحافيين خبرة، لأن رواتبهم هي الأعلى، بدليل أن سكوت بولز Scott Bowles عمل لأمريكا اليوم 17 سنة، لكن ذلك لم يشفع له للبقاء بوظيفته فوجد نفسه مسرحاً".
ويقول بولز، إنها "الحقيقة المرة لواقع الصحافة"، ويضيف أن "عدد الصحفيين في الولايات المتحدة نقص 17 ألف خلال المدة من العام 2006 إلى 2013، بحسب مركز بيو للأبحاث".
ويرى الصحفي الأميركي، أن هذه "النزعة مستمرة، فشركة أمريكا اليوم سرحت أكثر من 200 من العاملين لديها، كما وضعت حداً أعلى للدفع في محاولة منها لتحصيل دخل عن طريق منع المستخدمين من الوصول لمحتواها من دون دفع اشتراك"، ويستدرك "لكن إيراداتها استمرت بالانخفاض برغم ذلك".
ويتابع يولز، أن أمريكا "تعمل اليوم على توظيف الخريجين الجامعيين الشباب الذين يقدرون على التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي".
إعادة النظر في دور التقنيات
لقد بدأت العديد من الصحف بمراجعة المحتوى لاستهداف جمهور أكثر تحديداً لاسيما الشاب، إذ طلبت وكالة اسوشييتد بريس Associated Press، وصحيفة الوول ستريت جورنال، من موظفيها أن يكتبوا قصصاً أقصر من ذي قبل.
ويقول بولز، إن المسؤولين "طلبوا منا جعل القصص أقصر وأن نهتم بالأمور الشائعة على مواقع التواصل الاجتماعي"، ويضيف، لقد كنا "نكتب عن المغني جستن بيبر، بطريقة لم نفعلها من قبل، حيث كنا نركز على الأمور التي لا يهتم بها إلا الصغار، كونها هي المهمة حالياً".
ويوضح أن منظمات الأخبار "قالت أكثر من مرة، إن مستقبل الصحافة بات مظلماً وتعزو التقصير المستمر في حجم القصص إلى الرغبة بإثارة اهتمام الناس الذين تتناقص قدرتهم على التركيز شيئاً فشيئاً، برغم أن الطلب على التقارير العميقة بقي كما هو"، ويواصل أن "التغيير الوحيد هو أن الابتكار يشكل الحل الذي سيبقي الصحف مرتبطة بالعالم الحالي الذكي تقنيا، بالرغم من أن اختلاف الجمهور يؤدي إلى اختلاف رغباته وما يفضله من مواد وتغطيات".
الواشنطن بوست
اشترى مؤسس موقع أمازون، جيف بيزوس Jeff Bezos ، في الخامس من آب/ أغسطس 2013 صحيفة الواشنطن بوست، في خطوة صدمت قطاع الصحف، بسبب افتقاره للخبرة الصحفية، وقد شكك العديد من الناس بدوافعه لامتلاك أحد أكبر الصحف الأميركية، قبل أن يتضح لاحقًا أن مدير الصحيفة السابق، دون جراهام Don Graham ، كان قد تواصل مع بيزوس.
ويقول بيزوس، إن جراهام، "تواصل معي عبر وسيط لمعرفة مدى اهتمامي بشراء واشنطن بوست، ما أثار دهشتي"، ويضيف أن "أول سؤال سألته كان لماذا تعتقد أني ساشتريها، أنا لا أعلم شيئاً عن مهنة الأخبار، واعتقد أن الانترنت غطلت كثيراً على الصحف، لذلك فان شخصاً يعرف جيداً بالانترنت والتقنيات يمكن أن يساعد أكثر".
لقد كان واضحاً أن الشكل التقليدي لصناعة الصحف، الذي اعتمد بشدة على الإعلانات، ليس بمقدوره تحقيق دخلاً كبيراً، إذ من غير المرجح أن تدفع الشركات لظهور إعلاناتها في الصحف لأن قراءها يتناقصون بسرعة كبيرة، لذلك يعد التركيز على التقنيات هو الخيار الوحيد، كما يرى بيزوس.
بدوره يؤمن جوبال راتنام Gopal Ratnam، المساهم في مجلة السياسة الخارجية، بأن عملية الشراء التي قام بها بيزوس تشكل جزءاً من توجه أكبر يعتقد أن بإمكانه انقاذ صناعة الصحف.
ويقول راتنام، إن "شراء الأفراد لشركات الإعلام شيئاً لم يظهر بعد إن كان سيكون ثابتاً كفاية أم لا"، ويعتقد أن بإمكان أشخاصاً مثل جيف بيزوس "إحياء وجهة النظر المهنية هذه"، ويضيف أن بيزوس "يحاول جعل الواشنطن بوست أكثر رقمية في محاولة منه لجعل ناس يقرؤونها على الانترنت من خلال التطبيقات المختلفة، لاسيما أن هناك العديد من الذين يحاولون جلب المزيد من الدخل بطرق مختلفة".
ويذكر راتنام، أن أحد "أكثر التغييرات إثارة في الواشنطن بوست في عهد جيف بيزوس، هو التركيز على الموقع الإلكتروني، إذ كانت خطوته الأولى الرئيسة كمدير تنفيذي، توفير وصول مجاني على الإنترنت للواشنطن بوست لمشتركين في بعض الصحف المحلية مثل دالاس مورننج نيوز The Dallas Morning News، هونولولو ستار ادفرتايزرHonolulu Star-Advertiser ومينيابوليس ستار تريبيون Minneapolis Star-Tribune ، كشاهد على عزمه تحقيق النجاح الرقمي"، ويبين أن الواشنطن بوست "أطلقت مكتباً للتصميم والتطوير اسمه WPNYC، بهدف معالجة المشاكل في قابلية عرض المقالات التي عانت منها الصحف".
ويرى المساهم، أن "المزاوجة بين وجهة النظر التقنية مع وجهة النظر الصحفية، تقود للابتكارات الجديدة وتؤدي بالنتيجة إلى نجاح التجارب".
النظر للمستقبل
المهم أن يدرك الجميع أن الزمن يتغير، وأن على الصحف معرفة أن الطرق التي استعملتها في الماضي قد تكون غير صالحة للحاضر أو المستقبل، وأن التجديد في صناعة الصحف لن يتضمن فقط تغيير الشكل التقليدي حسب، بل يتطلب أيضاً إدخال تغييرات في المهنة والتقنيات وقطاعات التسويق.
ويؤكد الخبراء أن المرونة والقدرة على ابتكار طرق جديدة وتجربتها، ستكون من العوامل التي تحدد مدى إمكانية وسائل الإعلام بعامة والصحف بخاصة، على الاستمرار من عدمه.
المصدر:
Harvard Political Review
رابط المادة:
http://harvardpolitics.com/covers/future-print-newspapers-struggle-survive-age-technology/