جعفر النصراوي: شبكة الإعلام العراقي حلم مجهض
الصفحة الرئيسية > تجربة > جعفر النصراوي: شبكة الإعلام العراقي...
جعفر النصراوي إعلامي من مدينة كربلاء عمل مراسلاً لقناة العربية وهيئة الإذاعة البريطانية وقناة السومرية وشغل منصب كبير مراسلي قناة "بلادي" العراقية كما قدم برامج سياسية من على شاشة قناة الحرية ويعمل حالياً مراسلا لموقع "العرب اليوم".
واكب النصراوي، خلال أكثر من عشرة أعوام أحداثاً مهمة في العراق، كان أبرزها معركتا النجف والفلوجة الأولى ثم دخل مطلع العام 2011 في مواجهة مع حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بدأت باعتقاله بتهمة التظاهر بدون ترخيص وانتهت بطلبه اللجوء في ألمانيا بعد تلقيه تهديدات على خلفية برنامج قدمه عبر إحدى الإذاعات المحلية في مدينة كربلاء على هامش الحملة الانتخابية الأخيرة.
وفي الحوار التالي نسلط الضوء على تجربة النصراوي.
كيف دخلت عالم الإعلام؟
نهاية العام ٢٠٠٣ ونتيجة تصاعد التوترات بين التيار الصدري والقوات الدنماركية العاملة في المحافظة وقع هجوم على قافلة عسكرية أحرقت فيها عدة مركبات التقطت لها مجموعة صور بكاميرتي السوني ٨ ملم، ذهبت بها إلى مكتب قناة العربية، ورغم أن الصور لم تكن بالجودة المطلوبة إلا أن مدير المكتب حينها الإعلامي الأردني فراس نصير عقد اجتماعا حضره الإعلامي وهاد يعقوب والمصور خالد محمد سلمان وسألهم إن كان بالإمكان الاستفادة من تواجدي في مدينة كربلاء فأيدوا الفكرة، وفي ذلك اليوم وخلال ساعتين تلقيت الدرس الأول لي في عالم الإعلام وكان وهاد يعقوب أستاذا بحق حيث شرح لي على عجالة كيفية كتابة الخبر وتحريره بينما قام المصور خالد محمد سلمان بتعليمي مبادئ التصوير ومن ثمة بدأت رحلة العمل.
*حظيت قناة العربية بعطف الجمهور بفضل إقدامها على كشف ممارسات النظام السابق في بعض برامجها، فكم سهل ذلك عليك العمل من مركزك في مدينة كربلاء؟
العربية حينها كانت تخـوض سباقـاً محموماُ مـع قناتي الجزيرة وأبو ظبي وفي عامي 2004 و2005 وكنت حققت معها نجاحات كبيـرة بفضـل تواجدي في كربلاء والنجف ونقلي الكثير من الأخبار والصور الحصرية لما شهدته المدينتان من أحداث خطيرة.
لم يكن من السهل العمل وسط محيط يعتبر العمل مع الإعلام العربي والأجنبي عمالة وكان هناك خطر دائم نعيش فيه لكوننا أهداف يسهل اقتناصها إضافة إلى تجاذبات الأطراف السياسية المتصارعة طمعاً في الظهور على شاشة العربية لبيان وجهة نظرها وتسويق نفسها إعلامياً ,وهو الأمر الوحيد الذي وفر لي شيئاً من الحماية.
* محاولة اغتيال مراسل القناة جواد كاظم، كم أثرت عليك وهل دفعتك للتفكير بترك مهنة المتاعب؟
كانت بمثابة ناقوس خطر دق في مكاتب العربية في العراق وخاصة للمراسلين الذين شعروا بأن الاستهداف شخصي مع كثرة تحركاتنا وتنقلاتنا بين مسارح الأحداث، لذا حين طلب مني الالتحاق بالعمل في مكتب بغداد رفضت فتم الاستغناء عني والاستعانة بالزميل ضياء الناصري والزميلة الشهيدة أطوار بهجت التي باغتيالها بعد ثلاثة أشهر فقط تحقق ما كنت أخشاه والذي دفعني لترك العمل لدى القناة حفاظاً على حياتي لكني لم أفكر مطلقاً في ترك المهنة وإنما حاولت توظيف خبرتي التي تحصلت عليها من العمل مع العربية لصالح القنوات المحلية وهكذا التحقت بقناة بلادي الفضائية التي كانت في بداياتها وليست معروفة على عكس العربية التي أصبح طاقم عملها هدف لجميع التنظيمات المسلحة وكذلك في بلادي توليت إدارة قسم المراسلين أي ان معظم عملي كان داخل مقر القناة وبعيدا عن الشارع.
* غطيت معركة النجف بين جيش المهدي والقوات الأمريكية من داخل البلدة القديمة وكذلك معركة الفلوجة الأولي، هل كان الخطر وشيكاً وما أبرز ذكرياتك عن تلك الأيام؟
اعتبر معارك النجف وتغطيتي لأحداثها من أبرز المراحل في مسيرتي المهنية حيث كنت المراسل الميداني لقناة العربية في منطقة النجف القديمة والتي شهدت معارك شرسة بين مقاتلي جيش المهدي والقوات الأمريكية الذي كان طيرانها يستهدف كل ما يتحرك في محيط تلك المنطقة، وحصل أثناء تواجدي في شارع الطوسي لتغطية الاشتباكات بين جيش المهدي والقوات الأمريكية المتمركزة في المقبرة أن جاءت قذيفة أمريكية وأصابت الباب الخارجي لمرقد الإمام علي فلم أجد وسط الدخان والغبار غير الحرم ملجأ حتى نهاية الاشتباك.
في معركة الفلوجة كانت المهمة أصعب نتيجة محاصرة المدينة من قبل القوات الأميركية ووجود المقاتلين داخلها فلم أتمكن من التغطية كون التواجد بين المسلحين يعتمد على معرفتهم بك وبشخصك ليوفروا لك الأمان ويثقون بتواجدك بينهم، لهذا غادرت المدينة بطلب من المسلحين أنفسهم حيث أمهلوني يوما واحدا للمغادرة بعد أن سمحوا لي بتصويرها وإجراء مقابلات مع العائلات فيها وكان عرض القصة مثار استياء لدى القوات الأميركية وهكذا تولى تغطية الأحداث الزميل عبد القادر السعدي كونه من أبناء المدينة ومعروف لدى المسلحين.
*عام ٢٠٠٦ انتقلت إلى بغداد للعمل لصالح قناة بلادي الفضائية في وقت بلغ فيه الاقتتال الأهلي واستهداف الصحفيين ذروته، كيف رأيت تعاطي الإعلام العراقي مع تلك الأحداث؟ وهامش الحرية في قناة مقربة من السلطة؟
بالفعل في العام 2006 كان مجرد التنقل بين مناطق بغداد بحد ذاته يعتبر مخاطرة كبيرة للمواطنين فكيف بالصحفيين الذين كانوا يومياً في مواجهة مشاهد جثث عشرات المغدورين الذين قضوا نتيجة التصفيات الطائفية. كانت قناة بلادي ونظراً لعلاقتها بالحزب الحاكم وشخص الدكتور إبراهيم الجعفري ذات اتجاه إعلامي محدد لا يمكن الصحفي من التعبير عما يريده ويدور في خلده، وهو حال جميع القنوات الفضائية المحلية مما جعلها محدودة الانتشار وتخاطب شريحة معينة في بلد متعدد الأطياف.
* خلال أكثر من عشرة سنوات من أعمال العنف المتواصلة غاب صوت الضحايا الذين باتوا مجرد أرقام في تقارير الأخبار فهل شعرت يوماً بالذنب والتقصير وددت لو انك اخترت عملاً آخر؟
بالطبع أن تتكرر المأساة كل يوم أمام أعيننا وأن يتكرر نقلنا لتفاصيلها المجردة بالأرقام شيء صعب ومؤلم حتى صرنا مع تلاحق الأحداث المستمر نشعر بالقلق والتوتر حين يمر يوم من دون حادث مأساوي وكأننا بتنا مرضى نتلذذ بالألم الذي نعيشه على مدار الساعة، وهو ما جعلني أقرر الانتقال إلى قناة الحرية للعمل في تقديم البرامج السياسية فاستعدت شيئاً من هدوئي النفسي بفضل تفهم الإدارة المتمثلة حينها بالدكتور برهان الشاوي ومديرة قسم الأخبار الدكتورة فيروز حاتم التي منحتني حرية اختيار مواضيع حلقات برنامج ''اتجاهات حرة'' الذي استمر لمدة سبعة أشهر.
* من بين كل الصحفيين الذين اعتقلوا على خلفية مظاهرات شباط ٢٠١١ كنت الوحيد الذي قدم للمحاكمة لكنك واصلت رفع التحدي فهل اطلاعك على كواليس السياسية وإحساسك بالحصانة شجعاك على ذلك؟
الإعلامي، ولاسيما الذي يمضي وقتاً أطول في أروقة السياسيين يتحصل على الكثير من المعلومات المتعلقة بالفساد وسوء إدارة الحكم من قبل الأحزاب المنفذة ولكني شخصياً لم أعمل على استغلال المعلومات التي توفرت لدي إعلامياً لكن وفي نفس الوقت وكمواطن حاولت توظيف معرفة الناس بي كإعلامي لقول كلمتي في المظاهرات ثم عبر تقديم برنامج عبر إذاعة محلية في كربلاء.
لا أنكر أن الحصانة التي منحني إياها الإعلام وفرت لي بعض الحماية كما أنها ساهمت في تقصير مدة اعتقالي بفضل مطالبات المؤسسات الإعلامية ومنظمات حقوق الإنسان لكن بعدها أتخذ الخطر إشكالا أخرى وبدأت أتلقى تهديدات مباشرة من شخصيات مهمة في دولة القانون قررت على إثرها طلب اللجوء في الخارج.
* عن هذا البرنامج يقول أشد ناقدي المالكي بأنه كان ناجحاً جداً خصوصا في عام الانتخابات بينما يرد أنصاره بأنك تعمدت التصعيد العلني كي تستفز ردة فعل حكومية تسهل عليك الحصول على اللجوء في ألمانيا؟ فعلام راهنت لعدم خروج الأمر عن السيطرة؟
هذا ترويج من أنصار رئيس الوزراء السابق وردي هو لو كنت ابحث عن اللجوء لكنت فعلت ذلك في العام 2008 حين عرضت القوات الأميركية على من كل يحمل هوية المركز الصحفي السفر معها، وقد غادر من زملائي الكثير تلبية للدعوة، أما مراهنتي فكانت على الخيرين وهنا لابد من الإشارة إلى أن محافظ كربلاء عقيل الطريحي كان له دور كبير في توفير الحماية والأمن لي على عكس شخصيات على نفس المستوى دأبت على تهديدي على خلفية البرنامج الإذاعي وصورة كنت التقطتها للمالكي في أحد التجمعات الانتخابية ظهر في خلفيتها شيخ فقير طاعن في السن وتداولتها مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة كرمز لحصاد ثمانية أعوام من حكم المالكي.
*ما كان دور نقابة الصحفيين التي تنتسب إليها في أزمتك وهل أفادك قانون حماية الصحفيين بشيء؟
قانون حماية الصحفيين كلمة حق أريد بها باطل، ففي تعريفه للصحفي حصر الصفة بالمنتمين للنقابة فقط، فبات القانون عبئاً على الصحفيين تمارس النقابة عبره ضغطها عليهم من خلال المنح التي توزعها بين الحين والآخر على من يلتزم بشروطها وتمنعها عمن يرفض الخضوع حتى غدا عمل النقابة هو حماية الحكومة من الصحفي وليس العكس.
يعمل الصحفي العراقي في أجواء صراعين دائمين الأول بين المهنية وبين ممنوعات المؤسسة التي يعمل فيها كخط تحريري وإنتاجي، والثاني مع ضغوط الحكومة من جانب وعجزها عن حماية المواطنين عامة والصحفيين خاصة من جانب آخر، فمن يعجز عن تحقيق الأمن لا يتوقع منه حماية فئة صغيرة ممن يعملون في حقل الإعلام.
*تأسست شبكة الإعلام العراقي لتكون نسخة عراقية عن هيئة الإذاعة البريطانية، ما الذي تبقى من ذلك المشروع الطموح وهل أنت مستعد للعودة والعمل فيها لو طرحت خطة جادة لمنحها فرصة ثانية؟
شبكة الإعلام العراقي كانت طموح الكثير من الصحفيين والإعلاميين المهنيين لكن تولى حبيب الصدر الذي جاءت به المحاصصة الحزبية، إدارتها في سنواتها الأولى أجهض هذا الحلم عندما تحولت المؤسسة إلى كيان هزيل تابع لحكومة فاشلة. أرى الآن بوادر تصحيح لكنها بطيئة بسبب تحكم دوائر الفساد المرتبطة بأحزاب السلطة في مفاصلها مثلها مثل بقية المؤسسات العامة، وعن العودة فأنا أتمنى ذلك شريطة إناطة إدارة الشبكة بصحفيين وإعلاميين مهنيين يقدمون للمشاهد والمستمع العراقي ما يستحقه من أعلام مهني حر.