سعد سلوم: إعلام الجماعات الكبيرة “سمسرة” لهويات طائفية

الصفحة الرئيسية > تجربة > سعد سلوم: إعلام الجماعات الكبيرة...

بغداد - عراك غانم

سعد سلوم باحث وصحفي عراقي، أستاذ جامعي يدرّس العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية، ورئيس مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والإعلامية MCMD  وهي مؤسسة متخصصة بدراسة الأقليات، ومن مؤسسي المجلس العراقي لحوار الاديان ICID، وعضو المجلس العلمي لإكاديمية بغداد للعلوم الانسانية بأدارة الاباء الدومنيكان.

يعمل سلوم كرئيس تحرير مجلة مسارات التي تعنى بدراسة التعددية في العراق والعالم العربي، والتي صدر عددها الاول في نيسان 2005، لسلوم ثمانية مؤلفات عن الأقليات: الأقليات في العراق 2013، المسيحيون في العراق 2014، مائة وهم عن الأقليات في العراق 2015. الايزيدون في العراق 2016.

عن نشاط سلوم البحثي في شؤون الأقليات وصورة هذه الجماعات في الإعلام العراقي، وتأثير الصحافة في تعزيز التنوع، جاء هذا الحوار لـ”بيت الإعلام العراقي”:

*ما أهمية وصول الأقليات إلى وسائل الإعلام العامة؟

-هذا حق من حقوق الأقليات، فالمشاركة الإيجابية للأقليات في الحياة العامة  تعد عنصرا اساسيا في أي مجتمع ذي طبيعة تعددية مثل المجتمع العراقي على سبيل المثال، ويجب أن تعمل الحكومات ترتيبات لتعزيز هذه الممارسة وليس تقييدها. فحماية الأقليات تتعزز بالحفاظ على خصوصيات الأقليات ومنع تماهيها أو ذوبانها في ثقافة الاغلبية، لذا يمثل انتاج برامج اذاعية وتلفزيونية تعرف بثقافات هذه الأقليات ونشر برامج بلغات هذه الأقليات امرا حيويا في هذا السياق، وعلى الحكومات أن لا تقيد هذا الحق، بل تسمح لها بالوصول لوسائل الإعلام العامة وتدعم حصولها على وسائل خاصة بها.

*ما أهم الصور النمطية السائدة عن الأقليات والتي ينبغي لوسائل الإعلام تصحيحها برأيك؟

-هناك حزمة من الصور النمطية التي تمثل قوالب فكرية ثابتة تحفز سلوكاً معينا  تجاه الأقليات، يبدأ بالتمييز والنبذ الاجتماعي وصولاً إلى الإقصاء السياسي، والنتيجة النهائية هي الإبادة كما حدث مع الأيزيديين في سنجار، مثل محاولة تحميل مسيحيي العراق جزءاً من مسؤولية الاحتلال الأميركي، ومن ثم تسويغ استهدافهم كونهم يعتنقون دين المحتل، على الرغم من أن أي متخصص من الفروق بين كنيسة المشرق وكنائس الغرب، وكون مسيحي الشرق ضحايا للحروب الصليبية أكثر من المسلمين، أو النظر إلى المندائيين بوصفهم عبدة كواكب ونجوم، فيعاد صياغة اتباع أقدم دين توحيدي كوثنيين ومتعاطين بالسحر والشعوذة، أو النظر إلى أيزيديي العراق بوصفهم "عبدة إبليس"، فيصبح قتلهم واجباً دينياً، أو النظر إلى تركمان العراق بوصفهم من مخلفات الإمبراطورية العثمانية، ويصبح قياس هويتهم بمعيار انتماء خارجي أو مشحونا بعداء الذاكرة الجماعية، أو استمرار النظرة النمطية التي صنفت البهائية كحركة سياسية  (وليست دينا حديثا)، ومن ثم عدّت جزءاً من مؤامرة صهيونية أو ماسونية لتفتيت إسلام الأغلبية، أو وصف الكرد الفيلية بالتبعية لإيران ومن ثم التشكيك بعراقيتهم برغم كل العقود التي مرت من اضطهادهم على خلفية من الصراع مع إيران، ومطالبة الشبك بإثبات أصلهم الخارجي للاعتراف بهم كجماعة، برغم مرور خمسة قرون على استقرارهم في العراق. أو استمرار التمييز الاجتماعي ضد  العراقيين من اصول افريقية بوصفهم "عبيدا"، وبشرا بدرجة أدنى بسبب لون بشرتهم برغم الخطاب عن المساواة التي جاء بها الإسلام الخ. كيف يمكن مواجهة كل هذا التراث الهائل من تنميط الاخر، دون وسائل اعلام صلبة تحدث تغييرا في العقول والقلوب؟ اطرح هذا السؤال على نفسي دائما وانا المس يوميا نتائج الجهل بالاخر.

*هل ساهم الإعلام العراقي بشكل فعال بالتعريف بالأقليات وتغيير بعض الصور النمطية عنهم؟

-كانت مساهمة وسائل الإعلام محدودة جداً، وفي كثير من الأحيان مضرة بسبب جهل الصحفيين بطبيعة التنوع الأثني في البلاد، وقد أهمل حق الأقليات بالوصول إلى وسائل الإعلام العامة على نحو شبه تام من قبل الحكومات السابقة، حيث تم الغاء قناة "أطياف" التي كانت تابعة لشبكة الإعلام العراقية وكانت مكرسة للتعريف بثقافة الأقليات العراقية.

ليس الجهل الهائل بالآخر مسألة تخص اكتشاف العالم، بل أصبحت مسألة حياة أو موت، ولها علاقة مباشرة بديناميات العنف في البلاد التي يغذيها الجهل بالآخر. كيف اذن من دون دور وسائل الإعلام في التعريف بالاخر ان نواجه مخرجات الثقافة  السائدة التي تقوم على أحكام مسبقة، و مقاومة التصورات الثابتة عن الاخر، والتي تصبح بدورها قوة اجتماعية لا يمكن مقاومتها بسهولة، إذ تغدو معايير معتادةً ومشتركة اجتماعياً في إدراك وتصوير الأقليات الدينية والقومية في البلاد.

*هل على الدولة التزام بدعم وسائل اعلام خاصة تابعة للاقليات؟

-على الدولة التزام بدعم الأقليات التي ليس لها صوت بحيث يكون لها وسائل اعلامها الخاصة، وهذا جزء من الالتزامات الدولة اتجاه الاقليات، فمثلا المندائيين توجد تصورات لدى كثير من الناس بانهم اشخاص "نجسين" ويعبدون الكواكب، فهم بلا وسيلة اتصالية واعلامية، ويزداد الأمر سواء بعدم وجود برامج للتعريف بديانتهم وتغيير الصور النمطية الغير حقيقية.

وقد حصل التركمان على فضائية خاصة بهم، ويعود ذلك بشكل رئيس لتحالف بعض التيارات السياسية التركمانية التي يقودها تركمان شيعة مع دولة القانون، لكن ماذا عن الأقليات التي ليس لديها تحالف مع أي من نخب السلطة، وتواجه ضعفا في المشاركة السياسية اصلا مثل المندائيين والايزيديين، أو ليس لديها تمثيل سياسي أصلاً مثل الكاكائيين أو البهائيين أو العراقيين من أصول افريقية.

*وماذا عن دور وسائل الإعلام الممولة من المال العام من حيث هيكليتها الإدارية وصناعة القرار فيها؟

-اذا كانت مشاركة الأقليات الإيجابية في الحياة العامة قد ظلت بسبب ضعف وسائل الإعلام التي تملكها الأقليات أو انعدامها، مقيدة أو هامشية في أحسن الاحوال، وانعكس ذلك سلباً على المشاركة السياسية للاقليات.

فإن حق الأقليات في الوصول إلى وسائل الإعلام العامة واستعمالها ظل مقيدا هو الاخر، فشبكة الإعلام المصممة أساسا على غرار شبكة الـ(BBC) تحولت من تمثيل الرأي العام إلى تمثيل صوت الحكومة ومصالحها، وبشكل اخص حزب رئيس الوزراء وشخصه، وقد وجهت انتقادات لهذه الشبكة من ناحية كونها وسيلة دعاية حكومية، وهو تقليد بدأه رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي وجرى عليه من تبعه من رؤساء الوزارات كالجعفري والمالكي.  ولا يبدو ان هناك تغيرا نوعيا في عهد رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي لجعل تمثيل الشبكة اوسع بما يسهم في تعزيز المشاركة الايجابية للاقليات في الحياة العامة أو منح هذه الأقليات حيزا بارزا في ادارة الشبكة أو على الاقل  تسجيل حضور في برامجها.

هل يمكن لشبكة الإعلام أن تقدم لنا أرقاماً عن البرامج التي تعرف بالتعددية الموجودة في البلاد، لا توجد مثل هذه البرامج في أولوية صناع القرار في هذه الوسائل والتي تتحول إلى مجرد إعلام موجه لمصالح اقلية سلطوية أو للدعاية الايديولوجية لحزب رئيس الوزراء أو شخصه، أو تتحول إلى مجرد مثال آخر على انعدام حيادية الدولة، أنظر إلى تغطية المناسبات الدينية التي تخص الاغلبية بالمقارنة مع مناسبات واعياد الاقليات، لا يوجد أي توازن في التغطية ولا حيادية في الوقوف على مسافة واحدة من جميع الثقافات.

*إلى أي حد توظف وسائل الإعلام التي تملكها جماعات كبرى موضوع الأقليات وتتاجر بها لأغراض مصلحية أو سياسية ضيقة؟

-إعلام الجماعات الكبرى يعمل وفق الموجهات الايديولوجية لمالكيه، وهم قد تحولوا بسبب طبيعة الصراع حول السلطة والثروة، وهيمنة الجماعات الثلاث الكبرى: الشيعة، السنة، الكرد، إلى سماسرة هويات طائفية أو رعاة هويات اثنية ومتكلمين بأسمها، وكثيراً ما يتم على مستوة الخطاب في وسائل الإعلام عادة تخيل للهويات أو فبركتها بما يخدم تصورات نخب الجماعات الكبرى من الاكراد والسنة والشيعة.

وقد قدمت الطبيعة المركبة لهوية الأقليات نفسها فرصة لمثل هذا الاستثمار والتلاعب بالهويات، فهوية الكرد الفيلين مركبة بين محدد اثني واخر مذهبي، وعلى هذا الاساس يتم التلاعب به من قبل  التيارات السياسية للجماعات الكبرى، فضلا عن  السعي لتذويب الهوية الصغرى في هويات كبرى، أنظر إلى الشبك والكاكائيين والأيزيديين الذي يتم إعادة إنتاج هويتهم في وسائل الإعلام الكردية الرسمية بوصفهم كردا اصليين، وكيف تتغير صورة بعض الجماعات كالفيليين والشبك والتركمان الشيعة إلى مجرد هوية صغرى ذائبة في هوية شيعية أكبر كلما تم التحرك ضمن رقعة شطرنج الهوية الكبرى الاخرى الشيعية. ويبدو الأمر أكثر تعقيداً في حال الصراع داخل الأقليات حول المحدد الاساسي للهوية وفقا للتحالفات السياسية، فالتركمان ينقسمون مثلا إلى شيعة وسنة ومسيحيين كاثوليك، والشبك ينقسمون بين دعاة الهوية الكردية للشبك ودعاة الهوية الشيعة ودعاة الهوية القومية المستقلة، وكذلك الأيزيدون الذين ينقسمون على نحو اعمق بين دعاة الهوية القومية ودعاة الهوية الكردية ودعاة الهوية العربية، ودعاة الخصوصية الخ. 

أما عن المسيحيين بطوائفهم الاربع عشرة المعترف بها رسميا، وتنوعهم الاثني بين كلدان وسريان وآشوريين وارمن، فهم مثال اكثر حدة، لذا جاء تخيل تسمية "الشعب الكلدواشوري السرياني" ليقدم حلاً سياسياً لتخيل هوية عابرة للتشظي الكنسي وتجلياته السياسية المختلفة والموظفة على نحو لا يمكن الخلاص منه من قبل التيارات السياسية للجماعات الكبرى بالمثل.

هل من الممكن أن نوجه بعض اللوم إلى الأقليات نفسها لعدم قيامها بمبادرة لتصيح الصور السلبية عنهم والتعريف بدياناتهم؟

لا يمكننا ان نلوم الأقليات في ظل عدم وجود واتاحة وسائل تعبير مناسبة، يجب علينا ان ندعم هذه الأقليات بالأموال واتاحت منابر إعلامية، بعدها يمكن أن نلومهم إذا لم يكونوا فاعلين ونتهمهم بالتقصير وعدم الفاعلية المشكلة تتفاقم عند انعدم القدرة المالية لبعض الأقليات كالمندائيين مثلاً، فعلى الرغم من الصورة النمطية عن غنى هذه الطائفة التي ارتبطت في المخيلة العامة بمهنة الصياغة، إلا أنهم أشد الأقليات فقراً، فرجال دينهم بلا وراتب، وليس لديهم اوقاف تدر دخلا، حتى وصل الامر بهم إلى عدم القدرة على تمويل مجلتهم "آفاق مندائية" التي توقفت عن الصدور لأسباب مالية، بل عدم قدرتهم على طباعة كتابهم المقدس "كنز ربا"، وهذا أمر مخز ومثير للكآبة لجماعة تمثل ثقافة الفية.

*نتيجة التطورات التكنولوجية، يمكننا القول أن المجال العام ووسائل التعبير متاحة يمكن ان تعمل الأقليات على هذه الوسائل، وليس شرط وجود قنوات تقليدية.. ما رأيك؟

-وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية رغم توفيرها فضاءً افتراضيا عابرا، إلا أنه لا يمكن أن يقدم بديلا عن وسائل إعلام تستثمر في ما هو ثابت، اشعر أن وسائل التواصل الاجتماعية يمكن أن تبني قصرا من السحاب للاقليات، لكن ما تحتاجه الاقليات بالفعل هو قلعة إعلام ثابتة على ارض الواقع.

من ناحية اخرى حتى وسائل التواصل الاجتماعية تتطلب على الاقل ملاكات متدربة وكفؤة، وتطوير وتمكين هذه الملاكات يحتاج إلى اموال، وهكذا ندخل في حلقة مفرغة.

*في ظل هذا الغياب الإعلامي، ما هي التجربة الشخصية والاعلامية لسعد سلوم حول دوره في التعريف بالأقليات؟

-في الواقع بدأت مؤسسة مسارات باصدار مجلة "مسارات" التي كانت معنية بالدرجة الاساس بجذب الانتباه إلى أهمية التنوع في العراق خارج اهتمام المجلات الثقافية بالنوع الادبي، فالثقافة العراقية يسودها الاهتمام بهذا النوع كالمسرح، القصة، الشعر الخ، لذا جذب الاهتمام إلى دراسة التنوع على صعيد انثربولوجي وسويولوجي كان احد اهم الخطوات التي نجحت بها المجلة.

وقد كانت اعدادها الخاصة عن الأقليات حدثا نوعيا في الاوساط الثقافية، ففي العام 2005  اصدرنا عددا خاصا عن الايزيدية، يتضمن تعريفا بهذه الديانة بعيدا عن التنميطات التقليدية، وتضمن العدد ترجمة عربية لواحد من الكتب المقدسة للايزيدية وهو مصحف روز المقدس، وكانت رسالة العدد واضحة في التأكيد على توحيد هذه الجماعة واهمية التعريف بها للجمهور المستهدف من المثقفين، الذين بدورهم يمكن ان يؤثروا على شرائح اخرى. فتغيير وعي النخب سوف يكون اسهاما منا في تغيير الصورة النمطية عن جماعة عراقية واجهت سوء فهم واحكاما جائرة من قبل هذه النخب بالذات، إذ ما يزال المثقفون يتداولون كتب عبد الرزاق الحسني عن الأقليات على الرغم من مغالطاتها الكبيرة ومعلوماتها المضللة.

كما فتحنا ملف تهجير يهود العراق من خلال استكتاب الجيل الأول منهم مثل شموئيل موريه وساسون سوميخ، لمناقشة حلقة غامضة من تاريخ العراق، وأن يتم التعامل معها بوصفها تهجيراً ضروري لأي إعادة قراءة تاريخنا المعاصر خارج المحددات الرسمية التي تم تلقينها للاجيال المتعاقبة من العراقيين.

أما اطلاقنا تسمية "مياه الحياة" على العدد الخاص عن المندائيين، فقد كان اشارة إلى اهمية هذه الديانة وارتباطها بالعميق ببلاد ما بين النهرين وحفظها لثقافة آرامية اصلية كادت تختفي لولاهم، اما عدد مسيحيي العراق فقد كان يركز على دور المسيحيين في التاريخ العراقي المعاصر كما في التاريخ الإسلامي والذي تعرض لطمس لحساب نسخة رسمية طردت المسيحين من المسرح.

لكنني شعرت بعد سنوات ان المجلة لم تعد كافية، وبما أن الصورة اشد بلاغة وتأثيرا من الكلمة المنطوقة، لذا أسسنا قسم الافلام الوثائقية، وقد كنت معجبا بتجربة نائب الرئيس الاميركي السابق "آل غور" ودوره في تحويل قضية الاحتباس الحراري إلى قضية عالمية، وفكرت في استخدام الوسائل التي اتبعها من اجل الدفاع عن قضية التنوع، لذا قمنا بانتاج افلام وثائقية تعرف بالاقليات، وشهدت اول ظهور للعراقيين من اصول افريقية وللبهائيين الذين لم تسجل قصصهم من قبل، مجرد وضع هذه الافلام على اليوتيوب ونشرها أو استخدامها في التدريب كوسائل توضيح، والاستعانة بها في المحاضرات اكسبنا مساحة اكبر من التأثير، وتطلعنا إلى فئات مستهدفة جديدة مثل الشباب والطلا الجامعيين.

كذلك أصبحنا أكثر مرونة، وعندما توقفت المجلة لاسباب مالية، تحولنا إلى اصدار الدراسات التي هي اسهل من ناحية الطباعة والتسويق، وبلغ عدد الدراسات الصادرة عن المؤسسة "21" دراسة عن مسارات، وقد ركزت على تأليف وتحرير واصدار سلسلة خاصة عن الأقليات بلغت لحد الان 8 كتب، اصبح دورها محورياً في جذب الانتباه إلى قضايا الأقليات على صعيد وطني، وبعضها يتوفر باللغتين العربية والانكليزية مثل كتاب الأقليات في العراق، وكتاب الايزيديين يتوفر بلغة ثالثة هي الايطالية ككتاب الايزيديين، ولك نكتف بذلك بل حاولنا توفير افلام قصيرة تشرح مضمون كل كتاب، كتاب مائة وهم عن الأقليات الذي بلغ عد صفحاته 690 صفحة يتوفر بفلم وثائقي من 10 دقائق.

كذلك وفر موقع مؤسسة مسارات http://masaratiraq.org/  معلومات عامة حول الأقليات في العراق بالغتني العربية والانكليزية على نحو يساعد كثيراً الصحفيين في كتابة مقالات عن طريق توفير معلومات مختصرة وعامة، فضلا عن توفر منشوراتنا وافلامنا في الموقع وهي متاحة للجميع.

*هل هناك دور للتشريعات في الحفاظ على التنوع؟، وكيف يمكن تعزيز دور الإعلام في هذه التشريعات؟

-في كتابي الذي صدر في نهاية العام 2015، والذي يحمل عنوان "الوحدة في التنوع" عملت على مشروع قانون لحماية التنوع في العراق، وقد كان نتاج عمل متواصل يرجع إلى العام 2011، وبعد دراسة عدد من التشريعات المقارنة مثل  قانون حقوق الأقليات القومية في كرواتيا الذي يلزم وسائل الإعلام الوطنية والاقليمية والمحلية من تعزيز فهم اوضاع الأقليات وهذه تمول من ميزانية الدولة والحكومات المحلية، فضلا عن مشاركة الأقليات في انشطة الإعلام العام. و قانون حماية حقوق وحريات الأقليات القومية في صربيا الذي يلزم الدولة بتوفير المضمون المعلوماتي والتعليمي والثقافي باستخدام لغة الأقليات القومية في برامج الخدمة الاذاعية والتلفزيونية العامة وانشاء محطات اذاعية وتلفزيونية خاصة تبث برامج بلغات الاقليات، وحق الاشخاص المنتمين إلى اقليات بانشاء والاحتفاظ بوسائل اعلام خاصة بلغات الاقليات، وقانون التنمية اللامحدودة وحق الاستقلال الثقافي للجماعات اللاتفية  الذي يمنح الجمعيات والمؤسسات والمنظمات الوطنية بحق انشاء وسائل اعلام خاصة بها. واخيرا القانون رقم 77 لسنة 1993 لحقوق الأقليات القومية والعرقية في هنغاريا  الذي نص على  ضمان قيام وسائل الإعلام العامة ببث وانتاج برامج بلغات الأقليات القومية والعرقية على اساس منتظم.

وسوف اقرأ لك المادة التي تخص وسائل الإعلام في مشروع قانون حماية التنوع في العراق:

"المادة 32: للمكونات وأفرادها حق النشر والحصول على المعلومات بدون تمييز، ولهم حق تأسيس واستخدام مؤسساتهم الاعلامية الخاصة بما فيها المؤسسات التي تقدم المعلومات بلغتهم الخاصة عبر الصحف اليومية ووكالات الانباء والإذاعة والتلفزيون.

ويحدد لهم عدد من الترددات لوسائل الإعلام الالكترونية الخاصة بهم وفقا للقانون والمعايير الدولية.

المادة 33: على شبكات الاعلام، الاذاعة والتلفزيون الحكومية تخصيص فترات زمنية للبث بلغات المكونات، وفي حال توفر الكوادر تفتح قنوات اذاعية وتلفزيونية بلغة المكونات.

المادة 34: على شبكات الإعلام الحكومية اعداد برامج حول تاريخ وثقافة وتراث المكونات.

المادة 35: تمثل المكوِّنات بالتساوي  في هيئات الإعلام والاتصالات.

المادة 36: تتخذ الحكومة التدابير لمنع نشر التعصب والتحريض على الكراهية بسبب العرق أو القومية أو الدين أو المذهب ونشرها على القنوات الاعلامية الخاصة والعامة".                                                                                      

*ما هي اهم الحلول والاستراتيجيات الناجعة للحفاظ على التنوع والاقليات في العراق؟

-خلال السنوات الماضية عملت على تطوير مقاربة تكاملية لتعزيز التعددية والتتوع في العراق، وقد اصدرت في العام  2013 كتابا حمل عنوان "التنوع الخلاق: خريطة طريق لتعزيز التعددية في العراق" يتضمن تصورا عن طبيعة هذه المقاربة وعناصرها.

فلدى مناقشة الطروحات المختلفة لتعزيز التعددية في العراق والعثور على حل لمشكلة هجرة الأقليات يجري التركيز على "زاوية واحدة للحل" دون ايجاد حل تكاملي، وحاولت في الكتاب ان اقدم مقاربة تكاملية تتضمن خريطة طريق وافية.

من وجهة نظري، فإن المقاربة التكاملية تتضمن اصدار تشريعات لتعزيز التعددية من خلال العمل مع البرلمان، وقد عملت طوال الاعوام 2011-2015 على تشريع قوانين تتصل بالتنوع والحفاظ عليه، واستحداث مناهج دراسية ملائمة لمجتمع تعددي، من خلال العمل مع وزارة التربية لاستحداث وتعديل المناهج الدراسية يبقى هو الاهم، وفي حال فشلي في ذلك، بقي لي حرية اقتراح مواد دراسية عن التنوع وتدريسها في اكاديمية بغداد للعلوم الانسانية بادارة الاباء الدومنيكان، فضلا عن تنشيط الحوار بين الاديان من خلال العمل مع رجال الدين، وكان من نتائج ذلك العمل خلال الاعزوام 2011-2013 تأسيس المجلس العراقي لحوار الاديان، واخيرا العمل مع الشباب (مشروع سفراء المواطنة الذي قمت من خلاله بتصميم برنامج لمد جسور بين المجتمعات المحلية عن طريق الانشطة الشبابية).

*هل يمكن ان تتحدث على نحو اكثر تفصيلا عن كل واحد من هذه العناصر التي ذكرتها في الاستراتيجية، مثلا عن اية تشريعات تتحدث بالضبط بالنسبة للعراق؟

-بالنسبة للتشريعات هي آلية للتغيير من الاعلى إلى الاسفل، وهي تختصر نضال عقود من الزمن، انظر إلى الحركة المدنية في الولايات المتحدة التي انطلقت منذ ستينيات القرن الماضي مزودة بتشريعات تناهض التمييز، في العام 2009 شهدنا نتيجتها بفوز اوباما ووصوله إلى سدة الرئاسة الاميركية، كانت هذه معجزة بكل المقاييس، معجزة مهد لها نضال عقود من الزمن، ولولا التشريعات ما كان بالامكان تخيل ذلك. وكل مجتمع يسعى بطريقته إلى شكل من اشكال المساواة بين المواطنين يعكس قيما معينة لها مكانتها وحيزها في نسيج وتاريخ المجتمع المعني، ففي جنوب افريقيا على سبيل المثال يحاول التأكيد المكثف على المساواة ان يتجاوز تراث نظام الفصل العنصري الذي شهدته البلاد، لذا جعل مشرعو الدستور من "المساواة في الفرص" هدفا أساسياً، وتم تشجيع اراءات صممت لكي تحمي وتعلي من شأن الاشخاص المنبوذين تاريخيا. في حين تركز التجربة الاوربية على الحماية الخاصة لحقوق الأقليات نتيجة تنامي التعدد الاثني والديني والعرقي نتيجة الهجرة المتواصلة  إلى القارة الاوربية والتي حولتها إلى مجتمعات متعددة الثقافات.

وقد ضمنت الارجنتين في حمايتها كل من العقيدة والرأي السياسي، وكذلك في تركيا الذي شملت الحماية فيها الرأي السياسي أو الاعتقاد الفلسفي، اذ ان لكل من تركيا والارجنتين تاريخ من التمييز على اساس المعتقد أو الرأي السياسي لذلك حاولت تشريعاتهما منع  مزيد من التمييز على  هذه الاسس. أما بالنسبة للتجربة في العراق فإنها تمثل شكلا من اشكال تحدي الماضي والتحرر من سطوته بسبب التراث القائم على التمييز بين المواطنين، منذ سيادة نموذج بناء الدولة / الامة وفق منظرو قومي رتب المواطنة حسب الانتماء القومي، كما تعمل المطالبة بالمساواة وعدم التمييز إلى محاولة فرض قيم بديلة لقيم التمييز على اساس التصنيف والفرز الاثنوطائفي بعد 2003 نحو تأكيد قيم المواطنة على قاعدة الاعتراف بالتعددية، وهو ما سعيت له من خلال التشريعات التي اقترحتها.

*ذكرت المناهج الدراسية، ما اهمية تعديلها أو تغييرها في تعريف الاخر بالاقليات أو مواجهة الصور النمطية؟

-أعتقد ان احد العوائق الاساسية في التعليم الاولى في البلاد، يتمثل في ان معظم واضعي المناهج الدراسية ومخططي السياسة التعليمية، تبلورت  ثقافتهم وهويتهم كنتاج لتأثيرات مدرسة  ساطع الحصري، التي جعلت من العراقي يعرف عن التونسي والجزائري والمصري اكثر مما يعرف عن المسيحي والايزيدي والمندائي، لذا لابد من المشاركة في مشغل دائم ودائب للبحث عن "مقاربة جديدة" تتجاوز سلبيات الماضي التي غيبت ادراك واهمية التنوع وطردت الأقليات من مسرح الاحداث أو عاملتها بوصفها مجرد "كومبارس على مسرح التاريخ" ضمن سياسة تقوم على (آحادية جماعاتية وثقافاتية) متمركزة حول حقبة مجتزئة من التاريخ (التاريخ العربي الإسلامي)، بهدف صهر الثقافات الفرعية، والهويات التعددية، والخصوصيات العرقية، والثقافية واللغوية في هوية واحدة بشكل منهجي وقسري.

وفي ضوء تنامي الجهل بالآخر في العراق، وما تواجهه الأقليات من صور نمطية تحجر هوية الأقليات في معرفة منقوصة ومشوهة، نجد ان تدريس اديان ومعتقدات الأقليات أصبح ضرورة لا غنى عنها للقضاء على الافكار المشوهة عن الأقليات والتي تولد العنف في كثير من الحالات. وقد تنامت في الآونة الأخيرة في ما يخص تدريس الدين في العراق دعوات أدركت ضرورة إعادة النظر في تدريس التربية الدينية في المراحل الأولية، وتطوير تدريس هذه المادة على نحو يركز على الثقافة الدينية، أو الدعوة إلى تدريس المشتركات الدينية، أو فلسفة الدين.

واعتقد ان من الاجدى أستحداث مادة  لـ(الأديان المقارنة في العراق) تصاغ من خلال خبرة اليونسكو في هذا المجال وفقا لمناهج علم الاجتماع الديني، ويخصص لتدريسها أساتذة مدربون من خريجي قسم علم الاجتماع، وفقا لمبادئ توليدو التوجيهية المتعلقة بتدريس الأديان والمعتقدات في المدارس العامة.

*ذكرت العمل مع رجال الدين والشباب، كيف توفق بين الاثنين، وكيف تطورت مقاربتك للعمل مع فئتين مستهدفتين مختلفتين تماما؟

-يمكنك اعتبار العمل مع رجال الدين الية للتغيير من اعلى في حين يعد العمل مع الشباب تغييرا من الاسفل. رجال الدين هم جزء من بنية صناع القرار، وهم جزء من المشكلة، ويمكن تحويلهم إلى جزء من الحل، وقد بدأنا  العمل مع رجال الدين باطلاق "مبادرة الحوار الإسلامي المسيحي" وهي اطار مدني تأسس بمبادرة مشتركة من مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية ورهبنة الآباء الدومنيكان في العراق ومؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والإعلامية، بعد الحادث الإجرامي في كنيسة سيدة النجاة في 31-10-2010. 

وانطوت المبادرة على تنظيم أنشطة حوارية متنوعة خارج تغطية وسائل الإعلام، شملت: زيارات مشتركة بين علماء دين مسلمين ومسيحيين و تنظيم حوار شعائري (دعاء مشترك مع قراءات مشتركة للكتب المقدسة للمسلمين والمسيحيين في كنائس وجوامع). وإقامة حلقات نقاشية حول المشتركات الدينية وضرورة السعي إلى نشر ثقافة الحوار على صعيد المجتمع ككل. ثم تبلورت مبادرة الحوار الإسلامي المسيحي  بعد اكثر من عامين من العمل لتأسيس أرضية صلبة للحوار الديني في العراق عن تأسيس اطار اشمل من الحوار الإسلامي المسيحي، فتم تطوير فكرة حوار أديان كدبلوماسية "خيار ثان" لمعالجة الصراع الطائفي أو الحد من آثاره، لا سيما بعد أن وصلت حالة الاحتقان الطائفي خلال العام 2013 إلى ذروتها، وعادت أشباح الحرب الأهلية لتخيم على مشهد سوداوي مع اقتراب موعد انتخابات العام 2014. فتم الإعلان رسميا عن تأسيس "المجلس العراقي لحوار الأديان" في آذار 2013  كإطار يجمع قادة دينيين ومدنيين من مختلف الثقافات العراقية.

اما عن الشباب: فهم قوة للتغيير من اسفل إلى الاعلى  لمواجهة خطابات الكراهية، وقد اطلقت قبل ايام مبادرة "الوحدة في التنوع" للاحتفال بعيد الميلاد، والتي ما كان لها ان تنجح لولا دعم الشباب في بغداد والمحافظات، وقد رأيتم جميعا اندفاع مئات الشباب لزيارة الكنائس وهم يحملون الشموع بعد اعلان المسيحيين الغاء احتفالهم بعيد الميلاد هذا العام، وقد زرت النجف للاحتفال مع مجاميع شبابية في المدينة المقدسة، واستطيع ان اقول بكل وضوح وثقة، هولاء هم بناة الامل، هولاء هم من قد ينقذنا حقا.