عدنان حسين: الصحافة في سجن السلطة
الصفحة الرئيسية > تجربة > عدنان حسين: الصحافة في سجن...
قادت الصدفة عدنان حسين، الصحافي ونائب رئيس تحرير جريدة "المدى"، إلى المهنة عندما اختار قسم الصحافة في كلية الآداب بجامعة بغداد، ستينات القرن الماضي، أحدى مقالاته لنشرها في صحيفة الجامعة.
بعد أربعة عقود من العمل في الصحافة، لا يجد عدنان حسين نفسه راضياً، اليوم، عن الوضع الإعلامي الذي يصفه بـ"الفوضوي"، محيلاً الأسباب لغياب نقابة مهنة حقيقية وتشريعات متعقلة ببناء الدولة.
مع ذلك، يقول حسين في هذا الحوار إن الصحافة، لا تزال "مهنة المتاعب اللذيذة".
* كيف كانت بدايتك مع الصحافة؟
- كانت مصادفة، تخرجت من المرحلة الثانوية في الحلة في بابل محملا بإشادات أساتذتي بقدرتي على كتابة الإنشاء، وتسلحت بقراءة عشرات الكتب في مكتبة المدرسة وشاركت في إصدار نشره مدرسية بمثابة مطبوع، ذهبت بعد التخرج إلى ألجامعه وفي خاطري دراسة اللغة العربية لرغبتي في صقل لغتي وموهبتي بعد محاولات لكتابة الشعر، أثناء التقديم إلى كلية الآداب قسم اللغة العربية اكتشفت إنها تضم قسما للصحافة وهو ما أثار فضولي وقدمت فورا للدراسة في قسم الصحافة.
بعد عودتي إلى المنزل تلقيت عتب والدي الذي لم يكن راضيا عن قراري لأنها مهنة متاعب بالنسبة إليه خصوصا وان نشاطه السياسي وعضويته في الحزب الشيوعي وتسمنه منصب قيادي فيه بعد عام 1958 جلبت للعائلة المشاكل وأراد إن ابتعد عن كل ذلك وإن أصبح مدرسا.
* وكيف كانت الحياة الجامعية؟
- في الجامعة كنت من الطلبة الجيدين دراسيا، كانت لدينا صحيفة خاصة بالكلية اسمها "الصحافة" وعملت فيها حتى توليت إدارة تحريرها، في إحدى المرات كتبت مقالا ينتقد فيها الجامعة متحدثا عن مشكلة تخص طلبة الأقسام الداخلية وهو ما أثار سخط رئاسة الجامعة التي أوصت بفصلي تلك السنة الدراسية لكن احد أساتذتي آنذاك كان يوقرني توسط لي وألغي القرار.
* وهل مارست نشاطات سياسية؟
- نعم كنت عضوا في الحزب الشيوعي، وبسبب ذلك اعتقلت غير مرة وعندما تخرجت من الجامعة لم تتح لي فرصة التعيين في وظيفة حكومية أسوة بباقي زملائي، بدأت العمل وفق نظام المكافأة في مجلة الإذاعة والتلفزيون، وكنا مجموعة معروفة نكتب لهذه المجلة وفق نظام المكافأة منهم زهير الجزائري وفالح عبد الجبار وفاطمة المحسن وعباس ألبدري وحسين الحسيني، كما كتبت عدة تحقيقات لمجلة ألف باء ومواضيع أخرى في مجلتي والمزمار.
* هل عملت في صحيفة "طريق الشعب"؟
- التحول المهم في حياتي كان مع "طريق الشعب" عندما قرر الحزب الشيوعي إصدار صحيفة ناطقة باسمه، وشاركت في الاجتماعات التحضيرية لإطلاق الصحيفة في أيلول 1973، وكنت محرر فيها ولي عمود أسبوعي، وكان يوسف الصائغ في حينها مسؤول قسم المنوعات، ومن حسن حظي، عملت تحت يديه واستفدت منه الكثير واعتبره معلمي، واصلت العمل في الصحيفة حتى إغلاقها عام 1979 واضطررت بعدها إلى الاختفاء لأني كنت مطلوب للسلطات وخرجت سرا إلى لبنان عبر سوريا.
* كيف قضيت أيام الغربة؟
- انشغلت بالصحافة، عملت خلال عامي 81 و82 في الإعلام الفلسطيني في بيروت، ومن ثم انتقلت إلى قبرص للعمل مع مجلة" الموقف العربي" التي كان يرأس تحريرها سعدي يوسف، وكنت رئيس قسم الشؤون العربية، وهي أول مجلة تأخذ موقف من صدام حسين بشان الحرب العراقية – الإيرانية.
بسبب نشاطي في المجلة لاحقت المخابرات العراقية عائلتي في بغداد، وأرسلوا لي أبي ووالد زوجتي لإقناعي بوقف نشاطي مقابل سلامة عائلتي لكنني رفضت التوقف، واتصلت عندها بفخري كريم المسؤول المباشر في الحزب الشيوعي وطلب مني العودة فورا إلى بيروت لان احتمال اغتيالي في قبرص كبيرة.
عند عودتي عملت في مجلة "الهدف الفلسطينية" التي كان يرأس تحريرها غسان كنفاني وواصلت العمل فيها حتى عام 1990 عند الاجتياح العراقي للكويت، ولان المجلة وقفت إلى جانب صدام اضطررت إلى تركها.
* عملت في العديد من الصحف العربية فماذا قدمت لك؟
العمل في الصحافة غير المحلية أضافت لي الكثير واهم شي هي الموضوعية، فالصحفي ليس فقط ذاك المتمكن من اللغة والكتابة وإنما من يختار المواضيع بعيدا عن التحيزات والميول الشخصية، ومن أهم محطات عملي في الصحافة العربية كانت مع صحيفة الشرق الأوسط عندما هاجرت إلى بريطانيا عام 1992 وتم تعييني محررا للشؤون العراقية منذ 1993 حتى 1993، وبعد تسلم عبد الرحمن الراشد رئاسة التحرير قام بتعييني مدير تحرير حتى عام 2006 قدمت استقالتي لغرض العمل مع صحيفة "أوان" الكويتية حتى 2010.
* في النهاية تعمل اليوم في صحيفة محلية "المدى"، كيف حصل ذلك؟
- في 2010 ذهبت إلى دبي لمناقشة مشروع لإصدار جريدة الكترونية عراقية ضخمه وباشرنا العمل بضعه أشهر لكن المشروع توقف بسبب التكاليف الكبيرة، بعدها في احد زياراتي لبغداد التقيت بفخري كريم رئيس تحرير صحيفة "المدى" وهو صديق قديم وعرض علي العمل في الصحيفة والبقاء في بغداد، لم أتحمس كثيرا أول الأمر لأني كنت ارغب العودة إلى لندن، لكن وافقت في النهاية وتم تعييني نائبا لرئيس التحرير.
* عاصرت عقد السبعينات والعقد الذي أعقب العام 2003، أيهما الأفضل صحفيا؟
- يمكن قياس ذلك بأمرين، على مستوى الحريات لم تكن لدينا حريات كافية في السبعينات، غالبية الصحف كانت حزبية وهناك الكثير من التابوهات سواء تتعلق بالأحزاب التي تمتلك الصحف أو السلطة القائمة، ولكن من الناحية المهنية كانت العمل الصحفي والإعلامي يتمتع بمهنية نسبية، فلا احد يستطيع العمل في الصحافة إلا الأكفاء والمقتدرين.
أما بعد 2003 أفق الحريات أوسع لكنها أيضا مقيدة بعض الشئ، ولكننا نعيش وسط مشاكل كثيرة ونفتقد المهنية، لان المهنية والكفاءة تبدو غائبة كثيرا للعاملين في القطاع الإعلامي والصحفي.
* هل تقصد إن العمل الصحفي فوضوي في الوقت الراهن؟
- الصحافة والإعلام في البلاد لها مشاكل كثيرة والسبب غياب قانون لتنظيمها، نحتاج قوانين لتنظيم العمل الصحفي والإعلامي وليس تقييده، للأسف السلطة عندما تضع قوانين الصحافة والإعلام وحرية الرأي فإنها تكون مقيدة، ولكننا نريد قانونا غرضه التنظيم يضمن حرية التعبير والنقد ويرد أي محاولة للعدوان على تقييد حرية الصحفي والمثقف والأديب وأي شخص كان.
* لكن هناك قانون للصحفيين أقره البرلمان قبل سنتين؟
- هذا القانون سئ للغاية لأنه لم يقدم شيء للصحفي على صعيد حرية التعبير والحصول على المعلومة، ولم يضمن وقف إساءات السلطات الرسمية للصحفيين وخصوصا القوات الأمنية، فالصحفي عندما يذهب إلى مكان التظاهرات لتغطية الحدث سيكون معرضا للاعتقال حاله حال المتظاهرين وهذه الظاهرة يجب وقفها.
* لماذا واجهت الصحافة هذه الفوضى وقلة الحرفية رغم الأموال الكبيرة التي صرفتها المنظمات الدولية للتدريب بعد 2003؟
- للأسف الشديد هذه الأموال تعرضت لفساد كبير، وهناك الكثير من المنظمات والجهات استغلت موضوع التدريب الصحفي والإعلامي كي تستفيد شخصيا، وكل ما تقوم به ورش تدريب شكلية، التقيت بالكثير من الأشخاص الذين شاركوا في الكثير من هذه الورش لم يستفيدوا منها شيئا.
* أليست متابعة هذه الظاهرة من مهام النقابات والمنظمات المختصة بشؤون الصحافة والإعلام؟
- المشكلة لا نمتلك نقابات ومنظمات مهنية حقيقية، نقابة الصحفيين تفتح أبوابها لألاف الأشخاص ممن ليس لهم علاقة بالصحافة، فهي لا تتشدد بقبول عضوية النقابة، كما هو معمول به في الدول الأوربية وحتى العربية.
في احد زياراتي إلى مصر التقيت بوكيل نقيب الصحفيين المصريين جمال فهمي، سألته عن عدد أعضاء النقابة المصرية فقال 3000 عضو، وهي الدولة العريقة في تقاليدها الصحفية والإعلامية الراسخة كما إنها نقابة حقيقية تدافع عن الصحفي، أما نحن في العراق فأعضاء النقابة يزيد هذا العدد بخمسة أضعاف أو أكثر!.
أؤكد انه ما لم نمتلك نقابة تهتم بالمهنية فلا نتوقع إن يكون لدينا وسط صحفي مهني محمي من الدخلاء، ولن تتوقف وسائل الإعلام المرتزقة والبعيدة عن المهنية عن تعكير صفو قطاع الإعلام، لان هذه المؤسسات هي من تفتح أبوابها لتوظيف أي صحفي بصرف النظر عن خبرته وكفاءته.
* لكن هذه الأمور تتداخل بجملة تشريعات ضرورية بعضها سياسية..
- بالضبط، فجزء كبير من مشكلة العمل الصحفي والإعلامي تتعلق بغياب قوانين مهمة لبناء الدولة، مثل قانون الأحزاب الذي لو كان موجودا لعرفنا من أين تحصل الأحزاب على الأموال ولأوقفنا قيام بعض هذه الأحزاب باستخدام الإعلام وسيلة للتسقيط، كما إن هناك حاجة لإصدار تشريع ينظم الحياة النقابية، وهذه التشريعات جزء من مهام البرلمان.
* بعد هذه المسيرة الطويلة على مدى أربع عقود، هل تسمي الصحافة مهنة المتاعب كما يقال؟
- إنها مهنة المتاعب اللذيذة، عملي الصحفي وضعني أمام مجازفات كثيرة، ذهبت مرة إلى اريتريا أيام الحرب الأهلية، وفي 1991 كنت وسط معركة بين جيش صدام وقوات البيمشركة، ولكنني لست نادما لاختياري العمل الصحفي لأنها مهنة حقيقية.
* وماذا عن الشناشيل التي تكتبها في صحيفة "المدى"؟
- الشناشيل ضلت ترافقني منذ عام 1990، عندما أصدرنا أنا ومجموعة من المغتربين في لندن بينهم فائق بطي ورضا الظاهر وعبد المنعم الاعسم، مجلة باسم "رسالة العراق"، اتفقنا على نشر ما يشبه العمود في الصفحة الأخيرة منها ونتناوب على كتابته أسبوعيا، واقترحت أنا اسم شناشيل، وأثناء عملي في الصحف الكويتية أيضا كتبت عمود أسبوعي كان مخصصا للشأن العراقي باسم شناشيل، وعندما عدت إلى العراق كتبت عمودي في "المدى" بنفس الاسم، وفكرته إن الشناشيل معروفة بكونها ذاك الجزء الأعلى المطل من المنازل إلى الشارع "الدربونة" التي تمثل العراق والشناشيل بمثابة العين التي تطل على أحوال العراقيين.