عندما يغيب الصحفي عن الانجاز الثقافي
الصفحة الرئيسية > أفكار > عندما يغيب الصحفي عن الانجاز...
عندما يغيب الصحفي عن الانجاز الثقافي
زياد تركي*
في أجواء الحرب وسيل الاحداث الرهيب مباشرة في شهر آيار2003 خرجنا مجموعات متنوعة لا تفكر بما يفكر به انتهازيو الاحزاب السياسية انذاك بل كنا نفكر ان ننتج ثقافة بأنواعها المختلفة وتكون حدا فاصلا وراسخا لتغير نمط التفكير. ثقافة ليست مؤدلجة او دعائية كما كان سائدا. اردنا ان نثبت اننا سنخرج من الحرب بهوية ثقافية تمثلنا , بل فنون تنتمي لنا وتشبهنا نحن الذين صمتنا طويلا، لقد جاء الصحفيون من كل اصقاع الارض يحملون أسماء صحفهم ومؤسساتهم الاعلامية الشهيرة التي كنا نسمع عنها فقط.
ودائما ما التقينا بصحفي قطع الاف الاميال لينزوي معك على طاولة في مقهى او كافتريا (حوار) وهو يحمل كاميرا ديجتال صغيرة، ويخبرك انه من نيويورك تايمز او ليموند او واشنطن بوست .. وهو مهتم بان يجري معك مقابلة تتحدث فيها عن السينما و الحرب او الحياة في بغداد. شخصيا كان الامر مسليا ومنتجا فعلا حيث تسهم اسئلتهم الدقيقة والصادقة وربما الصادمة بتنظيم افكاري وتنتهي المقابلة وقد تعلمت شيئا. اثناء تصوير فيلم "غير صالح" للمخرج عدي رشيد اهتمت شركة كوداك لان تجري مقابلة مع مدير التصوير ليتحدث عن التحدي التقني المميز وهو كيف تعامل تقنيا مع خامة كوداك المنتهة الصلاحية كيمائيا و المستعملة في تصوير الفيلم فكتب لي صحفي من مجلة IN CAMERA وهي مجلة عريقة و متخصصة تصدر في هوليود, لاجراء مقابلة معي كانت درسا ، خلاصته ان هناك من يخبره للناس بشغف و يسجله للتاريخ بامانة ، كنت اردد مع نفسي : "لا تكن احمقا او مائعا في اجوبتك كل ما سوف تخبر به هذا الصحفي سيجله التاريخ".
لست هنا في صدد المقارنة او تقييم الاداء الاعلامي العراقي ودوره في رفد ودعم الانتاج الثقافي الابداعي، ولكن لكوني شاركت في بعض من انجازاته في فن الفوتوغراف او ادارة تصوير وتصوير فلميين عراقيين ناجحين على مدى عشر سنوات . اخرها انجاز الفليم العراقي الطويل صمت الراعي للمخرج رعد مشتت، والذي حاز على جائزة مهرجان الاسكندرية الاخير . وددت ان اسجل ملاحظة قد تحرك ما هو ساكن اليوم وربما غدا.
لطالما تمنيت على الاقل ان تكون لدينا تقاليد راسخة في الصحافة الفنية والثقافية تخرج من قالبها التجاري والنفعي بين منتج الثقافة والمؤسسة الاعلامية او الاعلامي كما هو السائد بين مجتمعات المدن المتحضرة. انضممت الى فريق صمت الراعي في صحراء السماوة لفترة تصوير طالت شهران , تحت اجواء حملة (بغداد عاصمة الثقافة العربية ) لذا نضمت دائرة اعلامية تتابع سير العمل وتنسق مع الصحافة العراقية لغرض توثيق الاداء الاعلامي لللافلام التي تنجز او قد انجزت . في تلك الصحراء او مواقع التصوير لم يتصل بنا اي صحفي او مؤسسة اعلامية تود الحديث عن ما نفعله , لا فضول مهني بالمطلق لا رغبة ولا حماسة لا جهود فردية ولا مؤسساتية من اصحاب الفضول الصحفي قد اتصل او بلغ او ارسل خبرا وعندما تجد خبرا اثناء البحث في غوغل ستجد خبرا مصدره " الجزيرة" عممته الصحف العراقية على مواقعها وبقي على حاله لاشهر طويلة . علما ان مكتب الاعلام في بناية السينما والمسرح من مهمته الاساسية متابعة انجازات الدائرة، وربما وجدوا الاولوية في تغطية (ابتسامة مسؤول) دائرتهم، واهمال كل ما يجب اخبار الناس عنه .
كنت قد سألت صديقي المخرج ان كان ثمة غطاء اعلامي لما نقوم به هنا بين العقارب و الاداء المتلكأ لعملية الانتاج السينمائي ؟ اجاب هناك صحفيون المفروض يتابعوننا لكن لم يحضر أحد منهم! لكني سألت عدة مصادر لمعرفة كيف تسير الامور من بعض الصحفيين المكلفين مهنيا بمتابعتنا في بغداد؟ . حصلت على جواب هلامي:" حاولنا ان نتصل بالمخرج لكن تلفونه كان مغلق" هذا هو الرد ببساطة .
ما الذي يحتاجه الصحفي المهتم باخبار الابداع والثقافة ومهتم بتجربته المهنية العظيمة حتى لا ينحصر عمله بين جدران المكتب وتقليب مواقع الوكالات الصحفية على الانترنيت؟ الا ينبغي عليه التنقل الى مواقع العمل الثقافي مثل تصوير سينمائي في اماكن نائية قد تكون خارجة عن التغطية الهاتفية؟ . الم يقطع الصحفي المهني مئات والاف الاميال لمتابعة حدث ؟ الم ينم في الصحراء والجبال ايام طويلة لينتهي بقصة يخبر بها الناس وينقل التجربة ؟ نحن كمنتجي ثقافة بحاجة لان نخبر المهتمين من الناس عن تلك التجارب الصعبة التي نجحنا فيها، وان نؤسس لتسجيل ذاكرة مجتمع انسانية وطبيعية قد تكون مصدرا مهما للاجيال المقبلة، وبحاجة ماسة الى صحافة مهنية ومهتمة.
*سينمائي عراقي