في مديح "عبعوب": أبعد من الظاهرة الإعلامية
الصفحة الرئيسية > أفكار > في مديح "عبعوب": أبعد من...
بدت صورة حقيقية، تلك التي كرّسها الظهور الإعلامي "الصارخ" لأمين بغداد، نعيم عبعوب، والمسار الفكري والأخلاقي والمهني الذي مثّله ويمثلّه الرجل المنحدر من أصول سياسية خارجة عن الدولة، فهو مرشح كيان مسلح وليس سياسي، وكان تعيينه بـ"الوكالة" جزءاً من صفقة بين رئيس الوزراء المعزول، وذلك الكيان، لكنه، أي عبعوب، بات يمثل واحدة من ملامح الدولة الأكثر حضوراً: عاصمتها كسياق حضاري ومعطيات ثقافية وإنسانية.
صورة عبعوب، اكتسبت أهميتها، من كونها انعكاساً حقيقياً لحال العاصمة العراقية وراهنها، فهو فوضوي في السلوك والتصريحات والمواقف، مثلما فوضوية المسار الثقافي والعمراني لبغداد، وهو شديد التناقض، لكنه حقيقي تماماً، فمثلما كانت لافتات حملته الانتخابية تعلو تلال القمامة في غير مكان ببغداد، كانت الأحاديث المطنبة تتواصل عن الامتداد الحضاري والثقافي لبغداد، فيما كثير من أحيائها، وتحديداً أحزمة الحرمان المحيطة بها، لا تحيل إلى نمط عيش سوى ذلك السائد في الزرائب.
انه شديد الصدق، حين يتحدث عن مدينة تصعد إلى مستويات حضارية غير مسبوقة، مثل دبي، بوصفها "زرق ورق" لا ترقى إلى حضارة بغداد وجمالها، ذلك أن الرجل يعبر عن لحظة جمعية يشاركه فيها كثير ممن هم محسوبون على النخب الثقافية والأكاديمية، حين يعوضون عجزهم في الانجاز بخاصة، وإخفاق الدولة الوطنية في العراق بعامة، عبر مشاعر الاحتقار لانجازات دول الخليج، بوصفها مجرد إمارات صغيرة يقودها البدو!.
إنه حقيقي للغاية حين يسخر من نيويورك، فهو انعكاس للحظة الطبقة الحاكمة في البلاد التي حملها الأميركيون إلى السلطة، في "زواج متعة"، بين أقصى مناهج الحداثة وأكثر قيم الانغلاق وكراهية الحرية. صنعتهم أميركا لكنهم يكرهونها كقيم فكرية، مع أنهم حلفاء سلطتها السياسية والأمنية ولو إلى حين.
إن الرجل في غاية الصدق، حين يؤكد إعلامياً، أن بنات طهران على درجة من الافتتان بوسامته، ذلك أنه يمثل مساراً أخلاقياً صعد بقوة في عراق ما بعد العام 2003، مسار الشراهة بمستوياته الثلاثة: الشراهة في الجنس والمال والطعام، وليس غريباً أن القريبين لطهران هم من يمثلون ذلك المسار بصدق تام، والرجل يتحدث عن بنات طهران، وليس عن مسارها العمراني والثقافي والفكري.
وبلغ الرجل - الظاهرة، من قوة التماثل مع اللحظة التي تحياها بغداد والبلاد، انه يمثل المستوى - صفر من المعرفة والخبرة العلمية، لكنه يدير مؤسسة لا يمكن لنصف متعلم أن يقودها، فكيف بصاحب المستوى صفر. وحاله هنا هي حال جل المسؤولين الذين قفزوا إلى السلطة بعد العام 2003، فمعظمهم بمستوى صفر من الخبرة العملية، حد أن كثيراً منهم تولوا إدارة وزارات فيما لم يسبق لهم تولي أي مسؤولية عامة.
مرة أخرى فالرجل صادق وحقيقي، ولكنه كان دائماً شجاعاً للغاية، حين كان يحرص على إظهار صورته وهي تختزل صورة بغداد الراهنة، انه مثلها الآن: المستوى – صفر في المسار الإنساني والفكري والمعرفي والذوقي. انه يستحق المديح حقاً، فزمن بغداد وإيقاعها الحياتي الراهن هما "عبعوبيان" بامتياز.