كيف أثرت البرامج التلفزيونية على قبول المجمتع الامريكي للمثليين
الصفحة الرئيسية > أخبار وملفات > كيف أثرت البرامج التلفزيونية على...
في الماضي القريب والبعيد لم يتجرأ أي سياسي امريكي على تأييد أو دعم حقوق المثليين في بلدهم، خوفا من أيغاظ الأغلبية الساحقة من الناخبين الأمريكيين وهم المحافظين الذين يعتبرون المثلية شذوذا جنسيا.
ولكن عندما أصدرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة قرارا يمنح المثليين الحق بالزواج، تسارع السياسيون، وعلى رأسهم الرئيس أوباما، بالترحيب بالقرار. ووصف أوباما القرار بأنه "انتصار لأمريكا وانتصار للحب،" معتبراً أنه يدشن لمرحلة جديدة من الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، كما اتصل بأحد اصحاب دعاوى زواج المثليين، أمام المحكمة العليا، جيم أوبرجيفيل، وقدم له التهنئة على الحكم.
طبعا كان هناك بعض السياسيين المحافظين الذين استنكروا القرار بشدة مثل مرشح الرئاسة الجمهوري مايك هاكابي الذي اعتبر قرار المحكمة العليا تحدي لقوانين الطبيعة والدين ورفض ان يقر به. المرشحين الآخرين، مثل جيف بوش وكريس كريستي، كانوا أكثر غموضا وحذرا في رفضهم للقانون وذلك لانهم يعلمون ان ما يزيد من 30٪ من الجمهوريين وخاصة الاجيال الشابة يؤيدون الزواج المثلي.
الانقسام في الرأي الامريكي تجسد أيضا في المحكمة العليا نفسها، اذ صوّت 4 قضاة من اصل 9 ضد القرار، معتبرونه مخالفا للقيم الامريكية الدينية. هذا التفاوت في الرأي العام الامريكي لم يكن موجودا حتى مؤخرا، اذ ان الغالبية الساحقة من الأمريكيين كانت ترفض المثلية الجنسية لكنوها لا تتوافق مع قيم المجتمع الامريكي المحافظ مما اجبر الكثير من المثليين على إخفاء حقيقة ميولهم الجنسي من اجل تفادي نبذهم من المجتمع وخسارة وظائفهم في أماكن اعمالهم.
حتى أوباما نفسه كان ضد الزواج المثلي عام 2008 عند دخوله البيت الابيض. فما الذي كان وراء هذا التغيير الجذري في نظرة المجتمع الامريكي للمثليين وهل ساهمت هوليوود في تحقيق ذلك؟ الحقيقة هي انه رغم ليبراليتها وتعاطفها مع المثليين فإن هولييود كانت دائما تعمل جاهدة لعرض صورة لها تتوافق مع الرأي العام الامريكي تجاه المثلية الجنسية، مع ان كثيرا من نجومها ومسؤوليها هم مثليين، وذلك خشية خسارة رواد السينما المستقيمين ومعجبي النجوم الذين كانوا ينظرون اليهم ليس فقط كأبطال بل أيضا كمقدسين خالين من العيوب.
وعندما كانت تثور اشاعات تلمح على ان نجما ما كان مثليا، تسارع هوليوود الى تزويجه من زوج من الجنس الآخر، ساحقة الإشاعات. ورغم النجاح الهائل لافلام عالجت قضايا المثليين مثل فيلاديلفيا (1993) وبروكباك ماونتين (2002) وميلك (2010)، التي حصدت عدة جوائز أوسكار الا ان هوليوود تفادت طرح شخصيات مثلية في افلامها أو حتى منح ممثلين مثليين ادوار شخصيات مستقيمة ولهذا كثير من الممثلين المثليين انكروا مثليتهم الجنسية لكي لا يخسروا ادوار بطولة افلام. ويذكر ان ابطال الافلام المذكورة اعلاه كانوا كلهم ممثلين مستقيمين حازوا على جوائز أوسكار عن أداء ادوار مثليين. هوليوود ما زالت تتفادى افلام مثلية حتى اليوم وذلك لان المثليين يمثلون اقل من 10٪ من رواد السينما ولهذا لا تريد المخاطرة بانفار جمهور المستقيمين.
فعندما طرح المخرج ستيفين سوديبرغ مشروع فيلمه "ما وراء الشمعدان" الذي يسرد قصة حياة الموسيقار المثلي الشهير لابراتشي، على استوديوهات هوليوود، قوبل بالرفض، رغم أن ممثلين من أبرز نجوم هوليوود، وهما مايكل دغلاس ومات دامون، كانا يشاركان في بطولة الفيلم. ولهذا اضطر سوديبرغ للجوء الى شركة الكابل التلفزيونية "HBO" التي قامت بانتاج الفيلم وعرضه على شبكتها، ليصبح أكثر افلامها نجاحا، مستقطبا 15 مليون مشاهد. وفي رد على قرار المحكمة الاخير عبر لي بطل الفيلم دوغلاس عن دهشته في انقلاب الرأي العام الامريكي تجاه المثليين.
"أنا مندهش جدا من السرعة التي غيّر فيه الجمهور الامريكي رأيه في هذا الموضوع وأنا اظن أن الفضل يعود للتلفزيون وبرامج مثل "ويل وغريس" وغيرها التي عرضت كثير من الشخصيات المثلية وحولتهم الى جزء من حضارتنا،" يعلق دوغلاس. فعلا، فبعكس افلام هوليوود التي عليها الاخذ بالاعتبار رغبات رواد دور السينما المستقيمين، فإن شركات الكوابل التلفزيونية ،التي تحقق ارباحها من خلال اشتراكات زبائنها الشهرية، تواظب على أرضاء كل مشاهديها بمختلف ماهياتهم ومعتقداتهم وميولهم الجنسي من خلال التنويع في المواضيع التي تطرحها في برامجها من افلام وثائقية عن الملاكمة الى مسلسلات روائية واصلية عن قضايا مختلفة، منها المثلية.
شركة HBO كانت رائدة في هذا المجال، اذ عرضت عدة افلام وثائقية وروائية تسبر قضايا المثليين والتحديات التي يواجهونها في حياتهم اليومية في مجمتع معاد لهم. من اهم افلامها كان الوثائقي "والفرقة استمرت بالعزف (1993) الذي تناول عدم اكتراث السلطات بمرض الايدز الذي أدّى بحياة العديد من المثليين. هذا الموضوع كان أيضا محور فيلمي "ملائكة في امريكا (2003) و"القلب العادي (2013)" الذيْن حققا نجاحا هائلا نقديا وتجاريا.
ولكن ما ساهم أكثر في قبول الأمريكيين للمثليين في مجتمعهم كانت المسلسلات التلفزيونية التي جلبت شخصيات مثلية الى صالات بيوتهم كل ليلة لمدة أشهر وأحيانا اعوام مما منح المشاهد الوقت للتماهي معها والارتباط بها عاطفيا. فعندما عرض مسلسل "ستة اقدام تحت" زواج مثلي لاول مرة على شاشة التلفزيون، لم ينزعج المشاهدون لانهم كانوا يعرفون الشخصيتين ولهذا كان سهلا عليهم ان يتعاطفوا مع حبهما لبعضهما.
مسلسلات مثلية اخرى مثل "كوير آز فولك" و"ذي ل وورد" قوبلت بحماس من قبل الاجيال الشابة بغض النظر عن ميولهم الجنسي. هذه المسلسلات عرضت المثليين كغيرهم من البشر يشاركون في مجالات الحياة ويمارسون المهن مثل الطب، الاقتصاد والمحاماة والتدريس وغيرها ويملكون الغرائز الانسانية ويقعون في الحب وليسو كائنات غريبة جاءت من فلك آخر كما كان ينظر اليهم الأمريكيون، مما ساهم في تسكين الخوف منهم والشك بهم وقبولهم كجزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع الامريكي.
وهذا ما أكده لي نجم فيلم "ما وراء الشمعدان" مات ديمان: "المسلسلات هي منصة يمكن من خلالها للناس مشاهدة مثل هذا التصرفات وإدراك أنها شائعة وطبيعية واعتيادية أكثر ما كانوا يعتقدون سابقاً." هذا التطور في تحسين نظرة المجتمع الامريكي تجاة فئة كانت منبوذة لمدة عقود او حتى قرون من خلال برامج تلفزيونية يثبت قوة الاعلام والتلفزيون في بلورة صورة الناس تجاه غيرهم وخاصة الذين الغير معروفين لهم. وربما هذا ما يحتاجه المسلمون أكثر من غيرهم للتصدي للصور النمطية الزائفة التي تجعل منهم وحوشا بدلا من بشر في الاعلام والبرامج التلفزيونية الامريكية.