لا سني ولا شيعي!
الصفحة الرئيسية > أفكار > لا سني ولا شيعي!
بعد الاحتلال الأمريكي مباشرة تدفق على العراق عشرات الصحفيين الأجانب ليكونوا على مقربة من الحدث. في تلك الأيام سيطر اللصوص على الشوارع، ولم يتبق لمجموعة من الأدباء والصحفيين والرسامين والمسرحيين غير ملاذ آمن واحد، هو كاليري حوار في الوزيرية المعروف جيدا من قبل العرب والأجانب.
هناك التقيت بصحفي الماني راح يستفهم عن مختلف القضايا العراقية الشائكة. بدا لي كأنه يريد أن يعرف مني سراً، وما كنت أعرف غير ما أعرفه عن تاريخ بلادي والمآزق القديمة والحالية للمجتمع العراقي. ثم تحوّل إلى أن يريد معرفة موقفي وليس رأيي.
كيف يمكن التمييز بين الرأي والموقف في الحالة العراقية؟ كان النظام السابق يريد من العراقيين موقفاً وليس رأياً، والأمر بسيط، أي أن يسلموا بآرائه ومواقفه. إنه أمر يثير الاستغراب أن يطلب صحفي أجنبي من ابن البلد أكثر مما يقدر عليه الأخير في لعبة السؤال والجواب العتيدة.
قلت له وأنا أحاول تفادي تعقيدات الأفكار والمستقبل الذي كنا نجهله. لقد فهمتك. أنا ضد الاحتلال، لكن ما دام العالم كله لم يستطع منع حدوث الاحتلال، فلماذا يراد من مثقف معزول أن يمسك ببندقية ليحارب ما عجز جيشنا الكبير محاربته؟ جمهور المثقفين كله ضد الاحتلال، لكنهم يتعاملون معه الآن كحقيقة سياسية، وهم ينشدون التعلم من العمل السياسي بعد عهود من العبودية. إنهم اليوم يستخدمون الحرية لكي يحصوا ممتلكاتهم جيدا، ويتعرفوا على بعضهم البعض.. وفي النهاية سيكون عليهم أن يناضلوا مع شعبهم من أجل اقامة دولة وطنية، ونظام ديمقراطي، ومجتمع متماسك، عندها نقول للأمريكان: by by!
كان يريد المزيد. حسنا. أضفت: على الأوربيين مساعدتنا في هذه المهمة الصعبة. ليس عليهم التخلي عن موقفهم القديم من الحرب، لكن عليهم التمييز بين الموقف من الأميركان والموقف من العراقيين.
ثم حدثته عن مأزق أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية كضرب من المثال على امكانية النهوض وإعادة البناء. وعلى نحو ما وجدتني أنزلق إلى الحديث عن أيدولوجيتي الشخصية التي اختصرتها قائلا: إنني قريب من أيدولوجية الاشتراكية الديمقراطية التي يجسده.