محمد غازي الأخرس: المرئي أقوى من المقروء
الصفحة الرئيسية > تجربة > محمد غازي الأخرس: المرئي أقوى...
محمد غازي الأخرس شاعر وكاتب وناقد معروف، له ثلاثة كتب صدرت خلال الأعوام الماضية وهي "خريف المثقف في العراق" و"كتاب المكاريد" و"دفاتر خرده فروش". تميل كتابته نحو وجهة اجتماعية عموما لكنه يبدو أحيانا منهمك بعوالم الانثربولوجيا خصوصا في كتابيه "المكاريد" و"دفاتر خرده فروش".
والانثربولوجيا تعني اهتماما استثنائيا من قبله بالتراث الشعبي والفولكلور والغوص في ما يسميه "المتخيل" وهو يشمل كل ما له علاقة بالناس من طقوس وتقاليد وأعراف ونظم. لكنه لا يتناولها بشكل وصفي بل يخضعها لمنهج النقد الثقافي الذي عرف عنه.
حين سألنا الأخرس عن مصادر هذه الاهتمامات قال لنا أنه "فتح عينيه على مكتبة أبيه وكان شيوعيا تقليديا يقرأ بنهم ويقتني كتب التراث العربي وروايات واقعية وكان من بين مقتنياته التي أثرت فيَّ عشرات الأعداد من مجلة التراث الشعبي الصادرة في السبعينيات وفيها تعرفت إلى هذه العوالم المدهشة ورحت أتتبعها بشغف كبير". ذلك المصدر اتسع لاحقا كما يقول فراح يستنطق من هم حوله عن الأمثال من دون أن يدري أنها ستكون زاده المعرفي لاحقا. كذلك يتذكر شيئا آخر، يقول "في مراهقتي اتخذت الراديو سميرا يوميا لي، كنت أسمع برامج تراثية عراقية وعربية ولن أنسى أنني أدمنت سماع برنامج "أصوات لا تنسى" الذي كان يعده ثامر عبد الحسن العامري وكنت أحاول تسجيل حلقات منه أعود لأسمعها لاحقا. أتذكر ذلك وأبتسم ففي تلك الأيام لم يكن عمري يتجاوز الرابعة عشر وكان أهلي يندهشون من هوسي ذاك".
ماذا عن أبيه وما تأثيره في شخصيته خصوصا أنه كان شيوعيا ويطارد أحيانا من قبل سلطة البعث، عن هذا حدثنا محمد غازي الأخرس، فقال إن " ذلك الأب كان ساحرا بحق، كان شخصية آسرة، معلم أنيق ومثقف، محترم في مجتمعه وهو شيوعي متحمس للماركسية ويبشر بها رغم أنه عاش في وسط اجتماعي لا يعبأ كثيرا بالثقافة. كان مطاردا في الستينيات لكنه ارتاح لسنوات من ذلك أثناء الجبهة الوطنية في السبعينيات، وفي أثناءها كان رفاقه يقيمون الحفلات في بيتنا بجميلة الثانية حين تحل بعض المناسبات كثورة أكتوبر وعيد العمال وعيد المرأة. لكن بمجرد استلام صدام السلطة عادت المطاردات وكادوا يعتقلونه لولا هربه من حائط الجيران. لقد حلق شاربه وصبغ شعره الأشيب وصار يضع النظارات السوداء على عينيه ودأب على التقاءنا في بيت جدي إلى أن هرب من العراق في أحد أيام عام 1978".
أثر تلك السنوات في شخصية محمد الأخرس كبيرٌ، كما يرى فقد "نشأ كارها للنظام السلطوي وانعكس هذا لاحقا في نقمته الفكرية على الأفكار القومية التي أعتقد أنها المسؤولة عن إنجاب ظاهرة البعث وصدام ومن ثم هي مسؤولة عن كل خراب العراق بما في ذلك الدخول في أتون حروب مستمرة، عدمية وكارثية. لقد أخذت منا أخوتنا وأصدقاءنا وجيراننا وطالتنا بطريقة مدمرة. أورثتنا الآلام ونقشت في صدورنا قبورا نحملها أينما حللنا" .
ويمضى قائلاً، "لقد عشنا في الجحيم"، هكذا يقول الأخرس مجيبا عن سؤالي المتعلق بجلوسه في الشارع يبيع الكتب، يقول" ولماذا تذكرت الكتب بالذات؟ كانت المهن الأخرى أكثر إذلالا ومهانة. هل تتخيل أنني مثلا عملت صبيا عند شخص يببع الكبة في مسطر؟ كنت أغسل الصحون في (تنكة) مليئة بالماء الحار. حدث ذلك بعد تسريحي من الجيش بأسابيع. والحقيقة أنني لم أحتمل فتركت العمل ورحت أبحث عن مهنة أخرى أكثر ملائمة لي". يقول أن هذه الحال ليست شخصية فجميع أبناء جيله جربوا هذه المرارة، "كلهم جلسوا على الأرصفة إلى أن وجدوا حلولا فردية ومنها الخروج من العراق كما جرى معي".
متى عدت للعراق، سألنا الأخرس فقال، "بعد سقوط النظام السابق بشهر تقريبا. ومن تلك العودة وأنا منغمس في عملي الإعلامي . بدأ أولا في جريدة "بغداد" التي يصدرها الوفاق الوطني، كان معي الأصدقاء علي عبد الأمير وعلي السوداني وعبد الجبار ناصر حسين ورعد كريم عزيز، وعلي خصباك وزملاء آخرون. كنت أحرر الصفحة الثقافية لكنني تركت العمل في الجريدة لاحقا وانضممت لجريدة الصباح، بقيت فترة أقل من سنة ثم انتقلت إلى قناة الحرة الفضائية مكتب بغداد، وما زلت أعمل فيها إلى اليوم معدا لبرنامج أبواب الثقافي".
ماذا عن تأثيرات الصحافة في المجتمع، هل هي حقا مؤثرة؟ سألنا محمد غازي الأخرس فأجاب، "نعم هي كذلك إلى حد كبير لكنني أعتقد أن تأثير التلفزيون أقوى بكثير. التلفزيون يدخل جميع البيوت ويخاطب المثقف وغير المثقف، يخاطب جميع الشرائح ويقرب الملفات المهمة بلغة الصورة ولهذا تأثيره أقوى من الصحافة".