منتظر ناصر .. نشكو ظاهرة "الصحفي المقاول"
الصفحة الرئيسية > تجربة > منتظر ناصر .. نشكو ظاهرة...
منتظر ناصر كاتب وصحفي وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق وحاصل على بكالوريوس علم الاجتماع من جامعة بغداد، وأحد مؤسسي صحيفة "العالم الجديد" الالكترونية ورئيس تحريرها. كتب العديد من المقالات والاعمدة في الصحف العراقية.
تولى مدير تحرير جريدة "العالم" سابقا قبل إغلاق أبوابها عام 2013 بسبب مصاعب مالية، بعد أن تدرج فيها محررا ثم سكرتيرا لتحريرها، وعمل ناشرا ومحررا في عدد من الوكالات، ونشر عددا من القصص الصحفية والأدبية في الصحافة المحلية والعربية، فازت مجموعته القصصية (شناشيل ذابلة) بجائزة الشارقة للإبداع العربي في مجال القصة القصيرة عام 2009.
وبمناسبة دخول صحيفة "العالم الجديد" عامها الرابع اجرى "بيت الإعلام العراقي" هذا الحوار مع منتظر ناصر.
ما كانت الغاية من إنشاء صحيفة "العالم الجديد" الإلكترونية؟
تأسست جريدة "العالم الجديد" الإلكترونية في 30 حزيران من عام 2013. الفكرة هي في إيجاد صحيفة مستقلة تعمل بحيادية تامة، مهمتها نقل المعلومة وملاحقة ما وراء الأخبار، شريطة أن يكون بشكل مهني وحيادي، لأن معظم وسائل الإعلام من فضائيات وصحف ووكالات، مدعومة أو ممولة بمال سياسي وحزبي، وهذه الأحزاب معظمها لها مصالح وأجندة.
ونحن نعمل خارج سياق هذه الأجندة وهذه المصالح، هذا هو أهم عامل من عوامل تأسيس الصحيفة، إضافة إلى أنها منبر حر لكل الآراء ولكل الكُتاب العراقيين، وحتى غير العراقيين من العرب والأجانب، وحين يتحدث كاتب أو محلل سياسي ضد جهة معينة فانه ربما لا يتمكن من النشر أو التصريح في تلك الصحيفة أو تلك الوسيلة.
وما نعمل عليه في صحيفة "العالم الجديد"، أن تكون منبرا لكل الآراء بدون استثناء شريطة أن تكون بعيدة عن السب والشتم والاخلال بالآداب العامة المعروفة أو ما شاكل من تجاوزات.
في فضاء إلكتروني مزدحم بالمواقع كيف يمكن قياس نجاح موقعكم أو أي موقع آخر، وهل كان عند توقعاتكم؟
مثلما تفضلت، في هذا الفضاء الواسع حينما تنافس مواقع ممولة تمويلا جيدا، وتحقق سبقا صحفيا أو كشفا جديدا أو مقالا مميزا ينشر لأول مرة في موقعك الفقير غير الممول، والقائم على مجموعة صغيرة من المتطوعين، ويتمكن من تحقيق قراءات ومشاركات عديدة تصل ربما أكثر من المواقع الممولة تمويلا جيدا، فهذا بحد ذاته نجاح، ولكن هذا ليس بمستوى الطموح، نتمنى أن نصل إلى نتائج أفضل وأكبر، طبعا بتفاني الفريق المتطوع وبالبحث عن بدائل، أو عن حلول للتحدي المالي الذي يواجهنا. نحن طيلة هذه السنوات الثلاث دائمو البحث عن تمويل مشروع، بالبحث عن إعلانات وعن مشاريع إعلامية ربما ترفد هذا الموقع بما يحتاجه من مال. لا أقول بأننا نجحنا، نعم أخفقنا لكنا لن نيأس.
طبعا هناك تحدٍ كبير جدا يواجهنا أيضا، ولا يقل خطورة عن التحدي المالي، وهو التحدي السياسي، وهو أنك حينما تكشف فساد وزارة ما أو دائرة ما أو حزب ما، فإنك تكون في مواجهة تلك الجهة المعنية، أو هذه الشخصية او تلك، كما واجهنا في قضية فضح فساد هيئة الإعلام والاتصالات واليوم هناك دعوى قضائية مقامة ضدي وضد "العالم الجديد" والدعوى القضائية والتهمة الموجهة ضدي، الإساءة إلى سمعة رئيس الهيئة صفاء الدين ربيع، في حين أننا تكلمنا في "العالم الجديد" عن صفته الشخصية أو العائلية وهناك فرق بين الاثنين.
وبالعودة إلى التحدي المالي، انت تعرف أن معظم المواقع الإلكترونية ممولة ويعمل مراسلوها لأوقات محددة، بدوام رسمي لثمان أو سبع ساعات، وعلى وجبات، ويتقاضون رواتب، هذا الشيء غير موجود لدينا، وحين ننافس مثل تلك المواقع بتقارير خبرية ونشر وثائق، فهذا يعتبر نجاحا بحد ذاته، على أمل أن نطور عملنا أكثر في قادم الأيام بكسب متطوعين آخرين ربما يشكلون رافدا مهما لمسيرة "العالم الجديد".
ألا تجد أن بحثك عن مصادر تمويل غير مشروط أمر غير ممكن في دولة تمثل مؤسساتها العامة مصدر الإعلانات المربحة، والتي كثيرا ما أشير إلى أنها باتت أداة حكومية للضغط على وسائل الإعلام؟
أنا حين تحدثت عن مصادر تمويل غير مشروطة لم أقصد البحث عن طريق جهات سياسية، بالتأكيد هي لا تعطي المال جُزافا وبلا ثمن. أنا أتحدث عن مجال واسع جدا، لا أعرف أن كان المجال يسمح لشرحه لكن بشكل مختصر، كل الديمقراطيات في العالم تتعزز بعامل مهم وهو وجود صحافة حرة ومستقلة. هذه الصحافة الحرة والمستقلة لا يمكن أن تتنفس أو تعيش في مناخ حر وتناول ما تشاء من مواضيع، دون وجود قطاع خاص نشيط، أو وجود شركات أهلية تعمل بشكل نشيط داخل البلد. لأن الاعتماد على التمويل الحكومي أو الحزبي هو شيء خاطئ، وان التعاون بين الصحافة الحرة والقطاع الخاص يخلق نوعا من التكامل، وهذا ما لا يتوافر في العراق بسبب خمول الشركات الخاصة وهيمنة القطاع العام على الاقتصاد الوطني.
وما نسعى إليه ربما هو حُلم لا أعرف إن كان سيتحقق أم لا، وهو إنشاء فريق من المتطوعين الشباب لإشاعة ثقافة الإعلان، لأننا في العراق تفتقر لهذه الثقافة، تجد في الغرب أو الدول العربية المتطورة والنشطة اقتصاديا، تجد أن ثقافة الإعلان جزء من العمل التجاري لأي شخص، أو لأي صاحب رأس مال حتى ولو كان مقهى أو مطعما صغيرا أو حتى دكان، يهتم بالإعلان لجذب المزيد من الزبائن وعدم الاكتفاء بزبائنه المعتادين، ولذا هو يحتاج إلى الصحف ووسائل الإعلام للإعلان عن منتجه، أو طبيعة تجارته التي يمكن أن تقدم خدمة إلى الناس. ولذا نحن نحاول أن نُشيع ثقافة الإعلان من أجل فائدة القطاع الخاص، والشركات التجارية الصغيرة، ما سيؤدي إلى نقلة نوعية في تطوير موارد الصحافة والإعلام العراقي.
بين منابر إعلامية خاصة تنفق بلا حساب ولا عائد ولا جودة، هل يمكن القول أن مشاريع مثل "العالم الجديد" مجرد محاولة لإشعال شمعة في وجه الظلام؟ محاولة لإثبات أن الصحافة الحرة ممكنة؟
نحن تجاوزنا مرحلة اشعال شمعة في وجه الظلام، و"العالم الجديد" اليوم تمضي بأقدام راسخة وبخطى واثقة في اجتراح منهج جديد بالصحافة المستقلة في العراق، والتنافس مع وسائل الإعلام الأخرى، حيث حققت ما لم تحققه اي وسيلة إعلام عراقية ممولة أو غير ممولة أخرى، وهو الاشتراك بالتحقيق الاستقصائي العالمي عن "وثائق بنما" الذي اختير كأحسن تحقيق استقصائي في العالم لعام 2016، والذي هز العالم، ولنا الفخر في أن نكون جزءا من هذا التحقيق. وهذا إنما يدل على أن "العالم الجديد" تخطت مرحلة المحاولة، ونالت شرف الحرفية والمهنية، وأصبحت وسيلة إعلام يُشار لها بالبنان. ودليل آخر على أن "العالم الجديد" أصبحت مؤثرة، هو تعرضها باستمرار إلى هجمات الكترونية من قبل قراصنة مجهولين.
صحيفتكم من بين اهم وسائل الاعلام المهتمة بملاحقة قضايا الفساد، على ماذا تعولون لحماية أنفسكم في ظل الوضع الأمني المضطرب الذي يعيشه العراق؟ وهل واجهتم تهديدات؟
ما تفضلت به يُعتبر التحدي الثالث، وهو التحدي الأمني الذي نواجهه، واجهنا دعاوى قضائية وتهديدات مختلفة وهجمات الكترونية، وهذا طبعا لن يثنينا عن مهمتنا الحقيقية، والتي هي مهمة الصحافة الحقيقية. الصحافة في أي بلد هي ضمير الشعب، ضمير الأمة الذي ينقل الحقائق للمجتمع كما هي بدون تزويق.
للأسف هناك بعض الصحفيين ووسائل الإعلام يمارسون الصحافة من دون ضمير، مجردين من الروح الحقيقية للصحافة، التي تتمثل في ايصال الحقيقة للناس والتغلغل في مفاصل الدولة لا من اجل مكاسب شخصية بل للوصول إلى كنه الحقيقة، وإلى فضح ملفات الفساد التي تعتاش على دماء الناس. هذا يتطلب بالتأكيد جرأة وشجاعة وتضحية، لا أزعم أننا نتمتع بذلك بشكل كامل، لكننا نسعى أن نكون ضمير العراقيين جميعا.
وكما قلت لك هناك صحفيون يمتهنون الصحافة وكأنها مُقاولة، يأخذ مشروع ليفتتح وكالة ما، يأخذ تمويلا جيدا وبمجرد أن ينتهي التمويل ينتهي كل شيء. وهناك صحفيون للأسف مأجورون، يعملون لدى هذا رجل الأعمال الفاسد أو ذلك الحزبي الفاسد، ليس لديهم مشكلة في هذا الموضوع بالعكس.
أنا لا أدعو إلى صحافة فقيرة، ولا أدعو إلى التنازل عن الراتب، وإنما أنتقد الصحفي المقاول الذي يطالب بالعدالة ومكافحة الفساد وهو لا يتورع في العمل لدى جهات فاسدة (سياسية أم اقتصادية)، وتنفيذ كل ما تطلبه منها، ولا يتورع عن العمل رجال أعمال فاسدين، بل هم ركن أساسي من أركان الفساد الدائر في العراق. للأسف مثل هؤلاء الصحفيين لا يمكنني إلا أن أطلق عليهم صفة مأجورين لشديد الأسف.
أتمنى للصحافة الحرة في العراق أن تجد لها موطئ قدم، وهذا سيتوافر بفضل وجود صحفيين حقيقيين، مؤمنين برسالتهم الحقيقية وهي العمل لصالح الشعب، وليس لتعميته.
هل هذا يعني بأنكم تضعون خطورة الجهة المتهمة في الحسبان حين تلاحقون قضايا الفساد؟
لو تلاحظ الجهات التي تم استهدافها إذا جاز لنا التعبير، في "العالم الجديد" سوف لن تجد جهة سلمت من كشف وثائق او معلومات تدينها أو انتقاد أو بيان بعض مواطن الفساد، أو حتى كشف لبعض كواليس العمل السياسي. لا أخفيك ان الخوف موجود وقائم لأننا في بلد لا يضمن حرية التعبير بشكل حقيقي، ولسنا في بلد منظومته الأمنية قادرة على حماية أفراد الشعب فضلا عن الصحفيين، لكننا نعتقد أن هذا هو قدرنا، وهذا بلدنا ولا يمكن التخلي عنه، لا يمكن أيضا التخلي عن واجبنا كصحفيين مهنيين، ما دمنا سرنا في هذا الطريق فعلينا أن نكمله إلى الأخير، لأننا مؤمنون بعملنا وبطريقنا الذي اخترناه.
تعرضت لتهدديات عشائرية ودعاوى قضائية قبل أن يتم صرفك من عملك في شبكة الإعلام العراقي، برأيك ما الذي شجع على هذه الممارسات القامعة؟
هذا يقودنا إلى التحدي الرابع وهو التحدي التشريعي، لا توجد تشريعات تنصف الصحفي وكل من يرغب في التعبير عن رأيه بحرية واستقلالية تامة. هناك نقص في التشريعات لشديد الأسف. القوانين السارية مجحفة بحق الصحفي، لقد حوكمت وفق المادة 434 من قانون العقوبات، الذي سُن عام 1969، أي بعد عام واحد من مجيء حزب البعث إلى السلطة، ويوم لم يكن في العراق سوى صحيفتين!، وهو ساري المفعول لغاية الآن، ويُعمل به في القضاء العراقي.
وهذا دليل على تخلف التشريعات العراقية في هذا الشأن، وعدم تماشيها مع التطور التقني وتطور وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، وتطور الصحافة في العراق والعالم، وهذا يخلق مناخ سيئا لشديد الأسف إضافة إلى التحديات السابقة الأمنية والسياسية والمالية وهذا التحدي التشريعي.
وسمعنا مؤخرا أن البرلمان بصدد تشريع قانون للحريات العامة والحريات الصحفية، وهو للأسف لا يلبي الطموح، وأفضل شيء قامت به الجمعيات المدافعة عن الحريات هو تأجيل تشريع هذا القانون، ونأمل في قادم الأيام أن يلتفت البرلمانيون إلى هذه المعضلة، وأن يساهموا في تشريع قانون يتلاءم مع حرية التعبير الحقيقية، ومع ما وصل إليه الإعلام في العراق من تطور.
بمناسبة الحديث عن القانون، ألا تشعر بأن كثرة حديث الإعلام العراقي عن قضايا الفساد دون محاسبة تسببت بتشبع الوعي الجمعي واعتياد الناس على التعايش مع الفساد كأسلوب حياة؟
الأشد من الفساد هو شيوع ثقافة الفساد وما تفضلت به صحيح جدا، الخوف هو من اعتياد الناس على ثقافة الفساد وثقافة الرشوة، ولا ننسى أيام التسعينيات التي أفقرت الجميع، الموظف والشرطي والمعلم وكل شرائح المجتمع خصوصا الموظفين الذين كانوا لا يملكون قوت يومهم بسبب انهيار قيمة رواتبهم، أمور جعلتهم يرتشون، وساعدت على شيوع الرشوة من باب سد الرمق، لكن للأسف أصبحت ثقافة شائعة داخل المجتمع، وتجذرت هذه الثقافة بعد عام 2003 مع تفاقم انعدام الرقابة ووصول الفاسدين إلى السلطة وعدم محاسبة المقصرين والمرتشين، بل بالعكس مكافأتهم من قبل المسؤولين والوزراء والرؤساء وزعماء الكتل السياسية.
فضيحة شركة نفط "اونا أويل" التي كشفتها الصحافة الأسترالية وبعدها تحقيق "أوراق بنما" اوجدت امال في إمكانية ملاحقة قضايا الفساد في العراق دوليا، فهل كنت من بين هؤلاء الآملين؟
بداية لا يمكن ملاحقة الفساد والفاسدين دوليا إن لم تكن هناك دعاوى محركة في القضاء العراقي، وخصوصا من المدعي العام والحكومة العراقية، وهذا ما لم يحصل لحد الآن، بل على العكس هناك مسؤولون فاسدون يُشار إلى فسادهم بالبنان، ولكن لم تتم إقالتهم فضلا عن محاسبتهم أو مقاضاتهم أو رفع قضايا ضدهم. لذا من السابق لأوانه التفاؤل بشأن ملاحقة الفساد خارجيا. وهناك نماذج ماثلة للعيان لمسؤولين ثبُت فسادهم وهم الآن ينعمون في الدول التي احتضنتهم قبل سقوط النظام وبعده. ومن وجهة نظري الموجودون حاليا في السلطة داخل البلد هم أخطر بكثير ممن فر وفرت معه الأموال.