منصات إعلامية لنشر الكراهية
الصفحة الرئيسية > أفكار > منصات إعلامية لنشر الكراهية
صحيفة العرب
لم يعد كثيرون يعيرون اهتماما لما تنشره المؤسسات، التي لديها سياسات ومعايير في النشر، وإذا اطلعوا على شيء مما تنشره، فإن ذلك يتم عبر تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي.
لا عجب أن يغمرنا طوفان ترويج التفاهات المغرقة في الانحطاط، إذا كان كل من ينشر كلاما أو تسجيلا سخيفا في مواقع التواصل الاجتماعي، يحظى بمتابعة الملايين وأحيانا عشرات الملايين. لا يحق لنا أن نشكو من انتشار ظاهرة فيديوهات المتطرفين والإرهابيين والمنغلقين ورجال الدين الموتورين، إذا كنا نروج لها ونساهم في نشرها، حتى لو كنا نعبر عن استهجاننا لها والسخرية من مضمونها.
تصلني يوميا على فيسبوك العديد من هذه المنشورات، من أشخاص ينشرونها للإشارة إلى تخلفها وانحطاطها، فأقوم بإهمالها والامتناع عن فتح الرابط لكي لا أساهم في نشرها وارتفاع رقم الأشخاص الذين يشاهدونها. الأجدى بهؤلاء المنتقدين لمضمون تلك المنشورات، إهمالها وعدم نشرها وانتقادها، لأن مشاهدة الملايين للتسجيل أو المنشور السخيف، ستحقق هدف الشخص الذي وراءه وتشجعه على مواصلة إصدار مثل تلك المنشورات.
قد يذكر كثيرون دعوة رجل دين متطرف في مصر قبل سنوات إلى هدم الأهرامات وتمثال أبي الهول وتماثيل الفراعنة الأخرى في وادي الملوك في الأقصر وغيرها. وكانت النتيجة أن شاهد ونشر دعوته ملايين الأشخاص في جميع أنحاء الوطن العربي بشكل خاص، وأعداد أخرى في أنحاء العالم. مهما كانت نسبة الغاضبين والساخرين والمستهجنين لتلك الدعوة، فإن تداولها ونشرها، حتى لو كانا بغرض الاحتجاج، سوف يكسبانها نسبة من المؤيدين، حتى لو كانت تلك النسبة أقل من واحد في المئة.
ما الذي يمكن أن يطمح إليه أولئك المتطرفون ودعاة الكراهية أكثر من متابعة الملايين لأقوالهم؟ وإذا كنا نروج وننشر مثل تلك الدعوات الفاحشة والصادمة والغبية، فعلينا أن نتوقع إغراقنا بتلك التفاهات. إذا حظي كل من ينشر تسجيلا أو كلاما سخيفا بمتابعة الملايين، فسوف يملأ السخفاء والمنحطون حياتنا. هذه الظاهرة في تقديري من أسوأ مظاهر انفجار ثورة التواصل الاجتماعي، التي أصبحت أكبر بآلاف المرات من نوافذ وسائل الاتصال والإعلام التقليدية. كما أنها أصبحت النافذة الأوسع حتى للاطلاع على ما تقدمه تلك الوسائل الإعلامية.
في الماضي، قبل ثورة وسائل التواصل الاجتماعي، كانت هناك قنوات معروفة ومرخصة ومسؤولة، يتم من خلالها فقط الاطلاع على ما يحدث في العالم، وتتمثل في عدد محدود من الإذاعات وقنوات التلفزيون والصحف والمجلات. وكانت تلك المؤسسات تحتكم إلى معايير مهنية عالية عندما تقرر ما تنشره وما لا تنشره. أما اليوم فإن معظم سكان العالم المتصلين بالإنترنت ولديهم حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، يطلعون على منشورات تعادل آلاف أضعاف ما تنشره وسائل الإعلام الكبرى.
لم يعد كثيرون يعيرون اهتماما لما تنشره المؤسسات، التي لديها سياسات ومعايير في النشر، وإذا اطلعوا على شيء مما تنشره، فإن ذلك يتم عبر تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي. يوميا تحظى منشورات وتسجيلات لحادث مثير أو فضيحة أو كلام صادم وفاحش ومتطرف، بمتابعة أعداد تفوق النسخ التي تطبعها أكبر الصحف العالمية بل عدد زوار مواقعها. لذلك ينبغي دعوة الجميع إلى عدم مشاهدة المنشورات أو الفيديوهات التي يخالفونها في الرأي وعدم نشرها ومشاركتها حتى لو كان ذلك من باب السخرية منها، لأن ذلك يخدم أولئك المتطرفين من حيث لا ندري.