نبيل جاسم: السلطة تريد الصحافة بين احضانها
الصفحة الرئيسية > تجربة > نبيل جاسم: السلطة تريد الصحافة...
نبيل جاسم محمد من مواليد بغداد 1971 حاصل على شهادة البكاليوريوس في الاعلام من كلية الاداب عام 1994 وشهادة الماجستير في الاعلام ايضا عام 1998 عن رسالته "تحليل مضمون الاخبار المحلية في الصحافة الاسبوعية"، وحاصل على شهادة الدكتوراة في قسم الصحافة كلية الاعلام عن اطروحته "موقف الصحافة العربية من الحركات الاسلامية في عام 2006".
وهو استاذ مساعد في كلية الاعلام جامعة بغداد منذ 2003، عمل ناشطا في مجال لدفاع عن حرية التعبير واسس بالاشتراك مع اخرين مجوعة من المنظمات الخاصة منها منظمة تمكين لمراقبة اداء محطات البث العام وكذلك المركز العراقي للدفاع عن حرية التعبير ورئيس منظمة سند لبناء السلام.
عام 1997 اصبح سكرتير تحرير جريدة الزوراء التي اعادت اصدراها نقابة الصحفيين العراقيين، وفي 1998 اصدر مجلة عشتار التي رأس تحريرها حتى عام 2003، وبعد عام 2003 اصدر جريدة الاخبار التي لم تستمر طويلا بسبب التمويل وبعدها جريدة الاسواق التي استمرت عاما كاملا وكذلك مجلة السياسة العراقية.
"بيت الاعلام العراقي" اجرى هذا الحوار مع الاعلامي نبيل جاسم
•إجمالاً، تؤثر العديد من العوامل في خيارات مقتبل العمر، فهل كان العمل في الصحافة وارداً على سلم تطلعاتك؟
-لم اكن أمتلك سلّماً للخيارات، ولم يكن احد يسألني عندما كنتُ صغيراً ماذا تنوي أن تكون في المستقبل، لم تكن لدي إجابات الطفولة "طبيب، مهندس، طيار، إلخ.
بلورتُ تصوراتي منذ الخامس الاعدادي على أن أمتهن الصحافة. وعندما أنهيتُ الدراسة الإعدادية حصلت على مجموع يؤهلني لكلية اللغات، ذهبت إلى كلية الآداب لأقدم اوراقي وأمتحن في قسم الصحافة. هاجسٌ واحدٌ كان يخيفني أن يدفعوني إلى قسم آخر في كلية الآداب غير قسم الصحافة، فـ"اضيع المشيتين": لا كلية اللغات ولا قسم الإعلام.
ذهبت إلى مكتب العميد الدكتور نوري حمودي القيسي وانتظرت أياماً حتى يسمحوا لي بمقابلته، كان إنساناً على قدر كبير من التواضع رغم اسمه الكبير. دخلتُ عليه وقلتُ له أن لا واسطة لي وكلُّ ما أريده أن أدخل اختبار الصحافة وأن لا أظلم فيه اذا ما نجحتُ في الامتحان. وعدني أن يعطيني حقي اذا ما تعرضتُ للغبن، هكذا بدأتُ، نعم كانت الصحافة تجلس وحدها على سلم خياراتي.
•كيف تعايشتَ مع شبكة الخطوط الحمراء التي فرضها النظام السابق على الإعلام وحولته الى جهاز دعاية لا مكان فيه للموضوعية؟
-هذا سؤالٌ معقد رغم سهولته. ولكل واحد منا تجربته في حقل الألغام ذاك. تكلست الصحافة العراقية في تسعينيات القرن الماضي، كانت هذه الصحافة قد استفادت من فسحات الحرية في العقود السابقة فأنتجت أجيالاً من الصحفيين الأكفاء الحريفين في طريقة صياغة الموضوعات الاخبارية والفنون الصحفية كافة. إلا أن مساحة التعبير الضيقة، وتكاثر الخطوط الحمراء قتل الإبداع وحول جيوش الصحفيين الى كتبة يعيدون صياغة التوجهات العامة بهامش بسيط.
ماتت صحافة الخبر، وماتت صحافة الرأي إلا ما كان يدور منها في فلك السلطة. كان عليك أن تمرّن نفسك وتطورها على مستوى الصياغات الإخبارية وصياغة العناوين، وعلى تمرين قلمك في كتابة الموضوعات الإنسانية ومشاكل الحياة اليومية. لا أكثر من ذلك ولا أقل. أن تهرب للصحافة الفنية مثلاً، او نقل أخبار الدوائر الخدمية، صحافة الأخبار الجاهزة او الاخبار المكتبية التي يتم الحصول عليها من المكاتب الإعلامية للدوائر والوزارات هي التي كانت سائدة.
كانت الصحافة العراقية رغم بعض الالتماعات ورغم العديد من الإمكانات الجيدة للصحفيين صحافة سيئة ورديئة في مضمونها. هكذا أوصل النظام الصحافة العراقية الى هذا المستوى من خلال سيطرته المباشرة عليها، سوء المضمون ورداءته أفقد الصحافة العراقية موثوقية الجمهور بها فعزف عنها وهكذا ماتت تقريبا الصحافة المكتوبة، هروبك خلف الاخبار والاكتفاء بإعادة بسيطة لصياغتها او اختيار عنوان مناسب أو صحافة فنية أو أدبية وينتهي الأمر. لا تستطيع أن تطبق معايير الموضوعية او التوازن على نوع كهذا من الصحافة.
• ما هي اصعب المواقف التي مررت بها في تلك الحقبة؟
-الأبطال قليلون في تلك المرحلة، ونتائج الاخطاء يمكن أن تصل بك إلى نتائج كارثية، الجميع مثلاً كان يتحدث عن ضرغام هاشم همسا، فالرجلُ ردَّ على سلسلة مقالات معروفة تطعن في أصول طيف واسع من المجتمع، تم تغييبه بسرعة وقسوة كلفته حياته.
وفي المراحل المتأخرة من عمر الصحافة الاسبوعية نهاية عقد التسعينات أصبح الوضع اكثر قسوة، وخيم جو من الرعب الثقيل، دخل عدي صدام حسين على خط الصحافة الأسبوعية وتحكم بها وبدأت عقوبات الجيش تطبق على الصحفيين إضافة الى عقوبات ابتكرها هو مثل الفلقة والاحتجاز والتعذيب، لكن العديد من الزملاء كانوا يقعون في المحظور وانا منهم.
أنفقتُ أشهراً طويلة لمتابعة ظاهرة انتشرت في تسعينيات القرن الماضي، فتحت وطأة الحصار وشحة الدواء وصعوبة الحياة التي عصرت المجتمع توجهات قطاعات كبيرة إلى التمسك بالغيبيات للتقليل من وطأة هذه الصعوبات، برزت ظاهرة جديد نمت وانتشرت الا وهي (العشابون) الذين يقولون إنهم يتبعون طريقة صوفية في أسلوب حياتهم وطريقة عيشهم وملبسهم واشكالهم. كانوا يستغلون الناس وحاجاتهم ومرضهم. دخلت بينهم لأشهر وكتبت عنهم تحقيقاً بنصف صفحة يفضح زيفهم وادعاءاتهم، المعروف ان هؤلاء كانوا يعملون تحت عباءة مسؤولين كبار انتهجوا طريق الالتزام الصوفي وحلقاته.
وكانت جريدة الزوراء توزع صباح الخميس وبمجرد نزول الجريدة الى الاسواق سارع هؤلاء الى شراء كل النسخ التي وقعت ايديهم عليها. اضطررتُ الى التواري عن الانظار لفترة لكن الموضوع لم ينته عند هذا الحد، فبعد اشهر من تلك الحادثة ورد اتصال الى مكتب رئيس التحرير الدكتور طه جزاع يطلبونني فيه في وزارة الداخلية بوقت ويوم حددوه لي..
توجهتُ ذلك اليوم الى وزارة الداخلية وكان الطابق السادس او السابع، وقيل لي عند دخولي إلى المصعد إنه لا يتوقف في ذلك الطابق، كبستُ زرَّ الطابق الاعلى منه حتى أنزل إلى الطابق المقصود، خرجتُ من المصعد وبدأتُ انزل درجات السلم، برزت امامي القطعة التعريفية لاسم الطابق واذا بها (شعبة الاحزاب السياسية)، ثوان معدودة ودرجات سلم قليلة كانت كفيلة أن أراجع خلالها شريط آخر سنتين من حياتي ماذا كتبت؟ وبماذا ثرثرت؟ امام من تداولنا نكتة تخص النظام؟ ليس أكثر من هذا، فلا أنا ولا مَنْ أعرف لدينا تاريخ حزبي او سياسي او (نضالي)، عرّفت نفسي للشرطي الجالس وراء طاولة فأشار إلى أن ادخل قاعة جانبية، دخلت القاعة واذا بي أرى شخصين من "العشّابين" الذين كتبتُ عنهم، فعرفت أنني هنا لهذا السبب، ولم اعرف ماذا ينتظرني. بعد نصف ساعة دخلت الى عنصر أمني برتبة عميد، سألني ماذا اعرف عن هؤلاء؟أجبته: إنني لا أعرف أكثر ممّا كتبت. وهو بدوره لم يقل لي السبب وراء إلقاء القبض عليهم ولم أسال بدوري عّما يجري.
الموقف الثاني هو ملاحظة بسيطة، ليست خبراً ولا مقالاً، الملاحظة كانت تخص مدير الاستخبارات عبد العزيز الدوري عندما اصبح محافظا لبغداد واغلق جزءاً من ساحة الميدان، فكتبتُ بحقه مقالا تحت عنوان (ردناك عون طلعت فرعون).
ارسل بطلبي، وتركت خبراً عند احد الزملاء بأن المقصود يطلبني وقد لا أعود، دخلتُ مكتبه ولم يعطني وقتاً للحديث، فبمجرد دخولي أزبد الرجل وبدأ بالصراخ والشتيمة وطردني من مكتبه.
أما الموقف الذي لا أنساه فهو التقرير الذي كتبه احدهم بحقي واوقفتُ بسببه سنة كاملة عن مزاولة العمل، الطريف أن صاحبنا كاتب التقارير قفز إلى حضن الاحزاب الدينية واصبح عضواً في مجلس النواب بعد عام 2003 يتبع تياراً سياسياً عانى من ظلم النظام السابق.
اما تقارير دائرة الرقابة والرصد في وزارة الاعلام التي تشير الى سلوكي الصحفي "غير المندمج" على حدّ تعبيرهم، فعندي نسخٌ منها حتى الآن.
اعود واذكّر: لا أبطال ولا مناضلين للذي يعرف تلك الحقبة، والعديد من الاصدقاء عانوا من هذه السلوكيات واكثر، فالعمل الصحفي في تلك الفترة ملتبس الى حد كبير.
•في منتصف التسعينيات كسر احتكار الدولة للمطبوعات، برأيك ما كانت اسباب تلك الفسحة وكيف تعامل الوسط الصحفي وهل انتجت تجارب واسماء مهمة؟
-دعني أدلي بشهادتي في هذا الموضوع وعن تلك الحقبة التي تحتاج الى توثيق ودراسة أكاديمية لتلك المرحلة من تاريخ الصحافة العراقية. كان الواقع الصحفي بعد منتصف التسعينات بقليل يعاني من جمود كبير وعزوف جماهيري واضح عن الصحافة المقروءة وطاقات مجمدة ووضع مادي عسير. استغل بعض الزملاء واقعاً قانونياً قديماً يرجع لحقبة السبعينيات من القرن الماضي. حيث حصلت جهات قطاعية عديدة في ذلك الوقت على امتياز اصدار صحف ومجلات اصدرتها لفترة قصيرة، وكانت نصوص هذه الامتيازات متضمنة ايضا في الانظمة الداخلية للمنظمات والنقابات ولكنها ماتت بفعل الظروف السياسية في البلاد بعد ضرب "الجبهة الوطنية"ثم دخول العراق في حرب الخليج الاولى.
كان المطبوع الأول الذي عاد إلى الحياة هو جريدة الزوراء التي يرجع امتيازها الى نقابة الصحفيين العراقيين، ركزت الجريدة على مزاج مختلف في تناول الموضوعات الاجتماعية فلاقت رواجاً كبيراً من الجمهور وبعد نجاح التجربة تبعتها جريدة (المصور العربي) التي تتبع لجمعية المصورين العراقيين، وبالتالي عمدت غالبية المنظمات التي يحق لها اصدار مطبوع الى الاستعانة بصحفيين اكفاء من اصحاب الخبرة ومن الشباب الى إعادة الحياة الى صحفها، واشتعلت المنافسة بين الصحف وتفاجئنا بحجم الاقبال الجماهيري وارتفاع نسب التوزيع وانطلقت منافسةٌ شديدةٌ على كسب الجمهور والبحث عن موضوعات شيقة، ومن جوّ راكد وإقبال متدنٍ وأرقام توزيع مضحكة انتقلنا الى اجواء تنافس وإطلاق إمكانيات صحفية كبيرة وتوزيع وصل الى مئة الف نسخة في الأسبوع الواحد لعدد من الصحف، استمرت الصحافة الاسبوعية عاما كاملا في هذا الفضاء المريح قبل أن تنتبه اليها السلطة التي بدأت عبر قنواتها بوضع الخطوط الحمراء شيئاً فشيئا، حيث بدأت بتشكيل مجلس للصحافة الاسبوعية، وهذا المجلس يجتمع مرة واحدة في الشهر، وانتهت بتعليمات تصل اليها هي ذات التعليمات والمحظورات التي تصل الى الصحافة اليومية مرورا بعقوبات الاعتقال والتعذيب التي تطال الصحفيين الذين يعملون في هذه الصحافة، وبدأت ارقام التوزيع تنحدر وماتت تدريجياً.
•رغم مرور اكثر من عقد على تغيير النظام السياسي الا ان الطبقة الحاكمة ما زالت تتعامل مع الصحافة اما معي واما ضدي فهل هي رواسب سياسات النظام السابق ام انها ترجمة لانساقنا الاجتماعية؟
-الاثنان معا، للأسف الشديد تغير النظام السياسي في العراق ولكن العلاقة بين هذا النظام وبين الصحافة بقيت كما هي. أحبَّ النظام السياسي الجديد هذه العلاقة وأحب ان تبقى الصحافة جالسة في حضنه واحب أن تبقى ألعوبةً بيديه. استفاد النظام السياسي من التغيير الديمقراطي ولكنه أراد التمتع بكل امتيازات الأنظمة الشمولية، فالطبقة السياسية العراقية تحب الديمقراطية طالما أن هناك عملية تداول محدودة توصلها إلى السلطة، ولكنّها تكره كلَّ ما عدا ذلك. بالمقابل لم تقبل الصحافة العراقية أن تنفطم من ثدي السلطة وظلت تحبُّ هذه العلاقة غير السوية لما فيها من تزلف للمسؤول وسياسات العطايا الدائمة.
للأسف الشديد تغير النظام السياسي ولكن هذه العلاقة الملتبسة بين الصحافة والسلطة، هذه العلاقة التي تشبه في جوهرها الأنظمة الشمولية ظلت كما هي. حتى اليوم القوانين والتشريعات التي ورثناها من الحقبة السابقة مازالت سارية المفعول فشلنا في تشريع قوانين الشفافية وحق الحصول على المعلومات.
•كان برنامجك على السومرية محطة فارقة ظل كبار الساسة يحرصون على التوقف عندها رغم اسئلتك المباشرة فهل شعرت بانهم يستخدمون البرنامج لتلميع صورهم وكيف تعاملت مع هذه المفارقة؟؟
-لم أشعر للحظة واحدة أن الضيف قد نجح في تلميع صورته، ينجح الضيف في تلميع صورته عندما تتوافر لديه المساحة الكافية للترويج عن نفسه، شخصياً كنت أعي أن لا أمنح ضيفي هذه المساحة، هدفي هو توجيه الاسئلة وتلقي الاجابات ليتمكن الجمهور من بناء تصورات صحيحة قدر الإمكان، ربما يكون كلامك صحيحاً الى حدٍ ما لأننا في النهاية نستقبل هذه الشخصيات على شاشاتنا بتكرار دائم، وهذا التكرار يثبتهم في اذهان الجمهور ولا أخفيك أن المقابلات التي نجريها مع السياسيين ربما ساهمت بتضخيم ذواتهم دون ان نقصد ذلك.
إحساسي بذلك ربما هو الذي دفعني لان أغير في الأيام القليلة المقبلة من هوية برنامجي الذي لن استضيف فيه شخصية سياسية.
•كيف ترى البرامج الحوارية العراقية؟ لماذا يقال دائما ان المشهد الاعلامي العراقي شحيح بالمحاورين الافذاذ؟
-قياسا إلى التجربة وحداثتها النسبية وما رافقها من اختناقات سياسية القت بظلها على عموم مفاصل الحياة لا أرى أن المشهد الإعلامي شحيح. صحيح ان هناك بعض الرداءة وسببها أن عالم الفضائيات في العراق مفتوح بمعنى أن هناك محاورين يأتون من الفراغ ويقفزون الى الشاشة، معتمدين على بعض المهارات البدائية عكس المحاورين العرب الذي يأتي أغلبهم من أساس ومنطلقات قوية، فتكون لديهم تجربة واسعة في الصحافة المكتوبة أصلاً على سبيل المثال، خذ حمدي قنديل، ابراهيم عيسى، مجدي الجلاّد وغيرهم كثير، هؤلاء صحافيون ناجحون جاؤوا من عمق الصحافة المكتوبة بكل ما تتطلبه من أساس قوي في المتابعة والقراءة المعمقة على مدى سنوات والقدرة العالية في التحليل وطرح الأسئلة المناسبة.
•هل تعتقد بان الحوار الصحفي المطبوع او الاذاعي لا يملك التاثير الذي يملكه الحوار المتلفز؟
-قيل الكثير في ذلك وأصبح من البديهيات الاكاديمية أو على مستوى الممارسة ما للتلفزيون من امكانات وتوظيفه للحواس اكثر من الصحافة المطبوعة والاذاعية، التلفزيون هو آخر الوسائل التي وصل إليها الانسان في عالم الصحافة، ستقول لي إن هناك وسائط اجتماعية مثل الفيس بوك وتويتر لها تأثير كبير ومماثل، ساقول لك: هذا صحيح ولكنني اقصد هنا بالتلفزيون والفضائيات هي العناصر المستخدمة فيه كصوت او صورة.
•متى شعرت بان الضيف تغلب عليك ؟ متى شعرت بان ضيفا سياسيا كان قويا امام الاسئلة؟
-أبداً، ولا مرة شعرت بان ضيفي قد تغلب عليَّ، فضلاً عن أنني لا افكر بأن حواري مع ضيوفي هو معركة فيها غالبٌ ومغلوب، اما الاجابة الثانية للشطر الثاني من سؤالك فاقول لك بصراحة إنني اعجبتُ جدا بالطريقة التي يجيب بها السيد عادل عبد المهدي عن الاسئلة التي توجه له.
•يعتقد كثيرون ممن يتابعون الحوارات التي اجريتها في السنوات الماضية ان الحلقات التي كانت تبثها قناة السومرية الاكثر انتشارا وتأثيرا، هل تتفق؟
-نعم، السومرية قناة مستقرة وتتميز بالثبات ولها جمهورها وقد استفدتُ من هذا الثبات لكنني كنت بحاجة إلى أن (اغامر) لمعرفة الارضية التي اقف عليها.
•عدا صعوبات البدء من جديد فأن مشروع قناة دجلة ابعدك عن اداء دورك كأكاديمي في تأهيل اعلاميين اكفاء لترميم المشهد الذي يكاد يسيطر عليه الدخلاء، فهلهو تخلي مؤقت عن الجامعة ام نهائي؟
-نعم، قناة دجلة مشروع جديد اخذته على عاتقي لأسباب عدة، منها خوض تجربة الإدارة الى جانب تقديم البرامج، ثانيا يشكل الموضوع تحدياً مهنياً، وكيف يمكن أن احقق نجاحاً يوازي او يفوق ما تحقق في السومرية. شخصياً لا أخاف التجارب الجديدة حتى لو اخفقتُ، لكن حتى الآن تجربة دجلة وما يرافقها من بذل جهود مضاعفة، إلا انني، وبتواضع، أعتبرها حتى الآن تجربة ناجحة، اما بالنسبة لابتعادي عن أداء دوري الأكاديمي اقول لك إنه ابتعاد مؤقت بسبب ظروف العمل وتعقيدات امنية رافقت وضعي، كما انني لم انقطع عن طلبة الإعلام في جامعة بغداد، ففي كل عام اختار عشرة طلاب لتدريبهم في المؤسسة التي اعمل فيها ومن ثم اقوم بزجهم في باقي المؤسسات الاعلامية.
•اعلنت وزارة الداخلية العام الماضي القبض على مجموعة مسلحة اعترف افرادها بالتخطيط لاستهدافك، فما حقيقة هذه القصة؟
-تنظيم القاعدة لا يهدد، تنظيم القاعدة ينفذ، وهذه الطريقة معروفة عن التنظيم، وردني اتصالٌ هاتفيٌ من أحد الاصدقاء والذي كان يقوم بعملية تحقيق روتينية واكتشف الأمر بالصدفة، كان يستجوب خلية اعترفت باقتحام وزارة العدل واقتحام مقر جهاز مكافحة الإرهاب. وبعد سؤاله لمتهم عن مخططات أخرى أجاب أنهم بصدد تصفية مجموعة من الإعلاميين، وعندما سأله المحقق عن هذه الأسماء أجابه المتهم بالنص "على رأس قائمة الاغتيالات نبيل جاسم الذي يقدم برنامج (بين قوسين) على قناة السومرية"، وشرح له بالتفصيل الطريقة التي كانوا يراقبونني بها وكيف انهم انتظروا أمام منزلي للتنفيذ، الا أنه وبحسب الاعتراف أن عدم رجوعي الى البيت في الاوقات التي انتظروني فيها أربك هذه الحسابات، وأُلقي القبض عليهم قبل التنفيذ، وقد قامت العديد من القنوات العراقية ببث هذه الاعترافات ولا اعتقد ان للحكومة دخلاً بالموضوع.
•اخيرا ما هو تقديرك لتأثير القنوات الفضائية المملوكة للسياسيين العراقيين او رجال الاعمال المرتبطين بهم او الساعين للعب ادوار سياسية على مستقبل الاعلام العراقي؟
-بحسب سؤالك النتيجة كارثية، للأسف الشديد لم تسهم الدولة (و هذا من وظيفتها)، لا في بناء مؤسسة خدمة عملاقة ومحترفة من خلال (شبكة الاعلام العراقي)، ولا ساعدت وسائل الاعلام المستقلة لتقف على قدميها كما هو موجود في قانون هيئة الإعلام والاتصالات، كما أن غموض الهوية الاقتصادية للدولة العراقية قد ساهم في إرباك وضع الاستثمار في وسائل الاعلام العراقية. ليس لدينا بيئة اقتصادية ملائمة تستطيع وسائل الاعلام ان تعيش فيها.
المصادر الوحيدة لبناء مؤسسات اعلامية قادرة على ان تستمر هي اما المال السياسي او الدعم الخارجي للأسف الشديد، وبالمناسبة فان وسائل الإعلام في كل العالم لا تخرج الا قليلاً عن دائرة الاموال السياسية أو أموال الاستثمارات التجارية العملاقة، ولكن الفرق الجوهري يكمن في أن وسائل الإعلام الأجنبية تلتزم إلى حد كبير بمعايير التوازن والدقة والموضوعية، عكس وسائل الإعلام العراقية التي تلتحم بشكل عضوي بآلة الحزب وتتحول إلى جهاز دعاية مباشر لذلك الحزب وأفقه الضيق، السياسيون العراقيون والأحزاب العراقية تنشئ هذه (الدكاكين) لمهاجمة الاخرين وتسقيطهم سياسيا.