هادي جلو مرعي: صحافتنا أسيرة المال السياسي
الصفحة الرئيسية > تجربة > هادي جلو مرعي: صحافتنا أسيرة...
يرى الصحافي هادي جلو مرعي رئيس المرصد العراقي للحريات الصحفية، (الذي أعلنت عن تأسيسه أخيراً نقابة الصحافيين العراقيين)، إن الصحافة في العراق اسيرة رأس المال السياسي، مشيرا الى إن امتلاك الاحزاب والقوى السياسية لغالبية المؤسسات الاعلامية جعل من الصحافي أجيراً ينفذ مصالح خاصة، لكنه يقول إن الصعوبات الأمنية وغياب معايير عمل مهنية، لم تمنع من الفخر بنخبة جيدة من الصحافيين الحرفيين والمهنيين.
كيف كانت بدايتك مع الصحافة؟
بداية متواضعة لكنها مهمة، قبل ذلك كنت مهتم بقراءة الصحف والمجلات والكتب في الدراسة الإبتدائية، وكنت أفكر في طريقة تصميم الصحيفة والمجلة، وأحاول محاكاة طريقة كتابة الأعمدة والمقابلات والتحقيقات، واستخدم الدفاتر المدرسية لأعمل منها مجلات أصممها بطريقتي، أتذكر إن أول محاولة كانت في العام 1984 حيث عملت مجلة من أحد الدفاتر عن بطولة كأس أوربا للمنتخبات في فرنسا، وأثارت أهتمام اصدقائي.
يقال إن المرحلة الجامعية تمنح خبرات معرفية وحياتية، كيف كانت دراستك الجامعية؟
صحيح، درست اللغة العربية والأدب وخرجت من المرحلة الجامعية بحصيلة وافرة من المعرفة والفهم للغة والشعر والكتابة النثرية، إضافة الى قراءاتي في مجالات الأدب والفلسفة والدين والروايات والقصص، وتنوعت المعارف لدي، وكنت أهتم بالثقافة الموسوعية، ونجحت في الفترة القليلة التي سبقت العام 2003 في العمل بصحيفة الزوراء، وكنت أستدعى من قبل رئيس التحرير للعمل في صحف أخرى، إضافة الى التلفزيون المحلي.
ماذا أعطاك العمل الصحفي، وهل تعتبر الصحافة مهنة مرهقة؟
أعطاني الرغبة في الإستمرار وتحقيق طموحاتي، فأنا اعرف قدراتي جيدا وأوظفها بطريقة مهذبة دون مبالغة، والصحافة علمتني التواضع، لم أكن أخشى من منافس في مجال العمل وأدرك إن ما أمتلكه يؤهلني للمنافسة مثلما إن الآخرين لهم الحق في تأكيد وجودهم وتحقيق ذواتهم، الصحافة مرهقة جدا خاصة حين يتعلق الأمر بتحقيق المكاسب المادية، وعلى من يختارها كمجال عمل حرفي عليه إن يعرف بانه ليس مقبل على الرفاهية.
هل ندمت على إختيار الصحافة كمهنة؟
أبدا فهي معشوقتي، حتى إنني أتعامل معها في الغالب كأنثى، وأفاضل بينها وبين النساء فأجد صلة مفعمة بالحيوية بينهما وكلاهما يمتعاني كثيرا.
ماذا كنت ستعمل لو لم تكن صحفيا؟
لا شيء، في الغالب سأكون متسكعا، وربما سأنشغل بالحصول على الكتب لأقرأ وسأكون من التعساء، الصحافة قرار نهائي بالنسبة لي واشعر اثناء العمل الصحافي اني احقق ذاتي.
أنت معروف بكتابة العمود الصحافي، كيف تختار مواضيع أعمدتك، وكيف تقيم كتّاب المقالات في العراق؟
أختارها كما لو كنت أعمل على تأليف رواية مفعمة بالحب والجمال والدهاء والموت والعشق واللذة، وأسوق فيها كل ما أعرف من روح في داخلي، هي قصص يومية بعناوين أعمدة لا يجيدها كتاب القصص، أبدأ فيها بـ(مقدمة وعقدة ونهاية) كما يفعل الروائيون، اللذة تتجسد فيها، أنا مثل عامل مقهى مصري لايسمح لك بالمغادرة ما لم تشرب شيئا، فهو يخيرك بين خمسة عشر مشروبا ساخنا عدا عن المشروبات المثلجة، اما غالبية كتاب الأعمدة عندنا فهم مثل عامل المقهى العراقي، يخيرك بين مشروبين ساخنين في الغالب، بين الشاي الأسود والشاي الحامض.
كيف تلخص سيرتك الصحفية؟
كتبت الاف المقالات الصحافية ونشرت في صحف محلية وعربية واعمل في مجال رصد الانتهاكات ضد الصحافيين والاعلاميين، ولي كتابان "مقالات على ذمة الزمان" و"تجربة صحفي"، كما انني امارس التعليق والتحليل السياسي.
هل يعمل الصحافي والاعلامي العراقي وفق معايير مهنية مقبولة.. وأمنية ومادية؟
للاسف لا توجد معايير مهنية، نحن نعمل بأسلوب عشائري في معالجة القضايا وإدارة المهنة الصحفية، نندفع بيسر ونشاكس، ثم سرعان ما نجلس في ديوان شيخ العشيرة مستسلمين لحل بائس، هذا على المستوى المهني وإدارة المؤسسة، بينما لا تتوفر شروط امنية في العمل الصحفي، لأن الجميع يسير مثل سرب طيور مهاجرة سرعان ما تبدأ بالتساقط بسبب الإعياء، ولا يلتفت لها بقية السرب فتكون نهبا للضوار ووحوش الغاب، اما من الناحية المادية فالصحافي العراقي يعمل كالاجير دون ضوابط وتستطيع المؤسسات الاعلامية انهاء خدماته بشكل تعسفي دون أي حقوق للصحافي.
ما ابرز الملاحظات التي تسجلها على الصحافة والاعلام في العراق؟
الصحافة في العرق أسيرة رأس المال السياسي والتسلط الحزبي والقومي والطائفي وحتى الشخصي، الصحافة لدينا كالطائر الحر في قفص كبير، وتحتاج الى حضور الإحتراف والمهنية وتعلم وإحترام تقاليد الصحافة في العالم، وهناك عبثية في إدارة المؤسسات الصحفية.
عملت في قطاع رصد الإنتهاكات الصحافية لسنوات، هل أثرت على مسار الصحافة وتطورها في العراق؟
عملت في هذا الملف منذ العام 2003 وكانت تجربة ثرية، وهو مجال عمل فيه عدد محدود من الصحفيين، ونجح فيه قلة قليلة، كانت تجربة رائعة رغم قساوتها ورغم فقدان العشرات من زملائنا الصحافيين، التأثير يحمل السلب والإيجاب في ذات الوقت، فالعذابات تنتج القوة وتحرر الإنسان من الخوف والرهبة لينطلق بقوة، وهذا ماقد حصل، فبرغم الضحايا مازالت الصحافة لدينا تتحرك، ومازلنا نواصل المسير.
هل ترى ترابطاً بين الواقع السياسي والواقع الإعلامي في بلادنا، ومن يسيطر على من؟
رأس المال السياسي يحكم المشهد الاعلامي، وغالبية وسائل الإعلام مملوكة لقوى سياسية حزبية تنتمي لطوائف وقوميات تبحث عن قهر الآخر، ولا يكون للصحافين العاملين في هذه المؤسسات سوى أجراء وادوات لتحقيق الاهداف، لكن ذلك لم يمنع من ظهور مجموعة من الصحافيين يمتلكون القدرة والشجاعة والحرفية، وانا اردد دائما بشان تقييم صحافتنا بالقول اننا لا نمتلك صحافة حرة لكننا نمتلك صحافيين أحرار، والصحافي العراقي نموذج يجمع المهارة والتضحية وهو نتاج مرحلة موت وخوف وفزع مجاني في العراق.