ازهر جرجيس: الخطوط الحمراء تقتل الصحافة العراقية
الصفحة الرئيسية > تجربة > ازهر جرجيس: الخطوط الحمراء تقتل...
صحافي وكاتب عراقي مقيم في النرويج، تخصص في كتابة العمود الساخر في شكل قصصي يوظف فيه تجاربه الشخصية، طفلا، طالبا، وحتى معتقلا ما قبل 2003 ثم لاجئا فيما بعده، غربته لم تقطع ارتباطه بجذوره، كتاباته وتدويناته في صميم الواقع اليومي بتفاصيله الصغيرة لا تخلو من الحميمية والحكواتية احيانا، هذه الحميمية في المزج بين الخاص والعام جذبت نحوه الاف المتابعين وجدوا فيه تعبيرا عن ذواتهم ببراعة عبر مفارقات الكوميدية السوداء، الفكاهة والسخرية والثقافة والصحافة ملفات حملها "بيت الاعلام العراقي" الى الصحافي والكاتب ازهر جرجيس عبر لقاء خاص.
• لماذا اخترت كتابة العمود الساخر؟
ـ أعتقد بأنّ للأدب الساخر، بكافة أشكاله، قدرة في الوصول إلى ثغراتٍ لا يستطيع الأدب الجاد الوصول إليها والتأشير عليها، لذلك تجد بأنّ الكاتب الساخر يتمتع بوفرة في المواضيع قد تجعله متجدداً بالمقارنة مع الاخرين. بالإضافة إلى ذلك فإنّ مزاجية القارئ العربي، والعراقي بشكل خاص لا تتواءم مع النقد المباشر والتحليل الجاد مما يدفعه للبحث عن السخرية والتندر. هذا باختصار ما أغراني في كتابة العمود الساخر، لكنّي، وقبل ذلك كله، وجدته الأقرب إلى شخصيتي، فأنا بطبعي لست جدّياً في التعاطي مع الأشياء، وميّال للمزاح والسخرية، فكيف يتسنى لي، والحال هذي، ممارسة النقد الاجتماعي والسياسي بشكل جاد؟
• هل السخرية طريقة فعالة لاستدراج القارئ بعيداً عن مواقفه المسبقة؟
ـ وظيفة الكتابة عموماً هي مناقشة المواقف المسبقة للقارئ وزعزعة الثوابت التي آمن بها خارج أسوار العقل والتفكير. غير أنّ ما يميّز الساخرة منها هي المقبولية التي تحظى بها لدى القراء. السبب برأيي هي قدرة الكاتب الساخر على إيصال الفكرة مغلّفة بالضحك والبهجة وهذا ما يجعله صديقاً للجميع.
• هل تعوّل على أن يُسقط القارئ الصور الكاريكاتيرية التي ترسمها مقالاتك على شخوص واقعه؟
ـ لا شك، بل أراهن على ذلك لأنّي حين أكتب المقال أحاول تقمّص الشخصيّات فيه وأمثّل حواراتهم بصوت مسموع قبل إنزالها على الورق، وربما كان هذا سبباً كافياً لطول عمر المقال في ذهن القارئ. أتذكر بأنّي كتبت مقالاً قبل أربعة أعوام عن "جبّار أبو الدين" ما زال القراء يذكّرونني به بين الحين والآخر. كذلك شخصية صديق السوء "محمد دگمة" الحاضرة في تعليقات الكثير من القراء حول أي تصرف أو سلوك يجدونه مطابقاً لما كتبته عن دگمة.
• المقارنات التي تعقدها بين العراق وبين النرويج، هل جعلت سخريتك أكثر حدة؟
ـ لعل من نافلة القول أنّ لا مجال للمقارنة بين العراق والنرويج، ومن الظلم أن تقول للعراقي كن نرويجياً وإلا فأنت فاشل. هذان البلدان متباعدان ليس جغرافياً فحسب بل في كل شيء، ولو أنّ النرويج أو أي بلد صغير مرفّه آخر تعرّض لجزء بسيط مما تعرّض له العراق لما رأيته على الخارطة بعد ذلك. لكن هذا ليس مبرراً للفشل الذريع الذي يحيط بمؤسسات الدولة العراقية، وليس لنا التعويل عليه في توجيه التكاسل والتنبلة والنوم للظهاري. هنالك ممارسات مؤسساتية وجماهيرية يمكن الاحتذاء بها، وهنالك أفكار حديثة في التعليم والصحة والبيئة والخدمات يمكن استنساخها وتطبيقها في العراق. أنا يا سيدي لست ممن يعيش الدهشة لوقت طويل ولا من مدمني صور السيلفي في الطرقات النظيفة هنا ولا أتعمّد نقل ما أراه من أجل أن أعيّر به أهلي وأشعرهم بالنقص حاشا. بل كل ما أفعله هو أنّي أحاول عن طريق نقل المشاهدات اليومية أن أوصل الفكرة للمسؤول أولاً ثم للشارع لعلهم يقتنعون بتطبيقها والإفادة منها.
• ما مدى جدوى السخرية السياسية غير المباشرة في مجتمع تسيطر بضعة شخصيات على مصير أفراده؟
ـ مع أنّي لا أظنّ بأنّ الأزمة أزمة شخوص بدليل بقائها رغم تبدّلهم، ولكن قل لي بالله عليك ماذا جنينا من السخرية المباشرة؟ الصحافة بشقيها الورقية والإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي قد امتلأت سخرية من الأشخاص حتى وصل الحال أن نستهزئ من أسمائهم وأشكال أنوفهم ونوعية ثيابهم، وفي النهاية لم ينجح الأمر في زحزحتهم عن صدورنا. بل يكاد يكون هذا النوع من السخرية المباشرة هو السر وراء ثبات هؤلاء الفاشلين في مناصبهم. أعتقد بأنّ ما يفعله الكثير منا قد أغفل المشكلة الحقيقية. جرّب أن تسأل في يوم من الأيام "ما رأيكم بفلان؟" وستجد ألفاً يشتم وألفاً يسخر وألفاً يلعن وستجتمع كلمتهم في النهاية على وصمه باللص. لكن لا أحد من هؤلاء الثلاثة آلاف تعرّض للخلفية الفكرية التي جعلت من هذا المسؤول لصاً وحلّلت له ذلك بدعوى أنّ مال الدولة سائب وأنّها "لا تملك".
• لماذا توقفت عن كتابة الأعمدة الساخرة؟
ـ لم أتوقف عن ذلك بشكل نهائي فما زال لي عمود ثابت في مجلة الشبكة وما زلت أنشر في صفحتي على موقع فيسبوك كلما سمح الوقت بذلك.
• وفق أي شروط ستعاود الكتابة والنشر في الصحافة العراقية مثلما عهدناك؟
ـ حين تنتهي ظاهرة الخطوط الحمر سأعاود الكتابة وأمارس سخريتي في الصحافة بمزاج عالٍ، فليس أجمل من عمود ساخر على الصفحة الأخيرة من جريدة لا تؤمن بالخطوط أعلاه.
• بعد تجربة العمل الصحفي في النرويج كيف ترى الصحافة العراقية؟
ـ الصحافة في النرويج عمل مختلف ووظيفة مغايرة، ورغم أنّ الانحياز السياسي واضح على الكثير من الصحف النرويجية إلا أنّ هنالك ثوابت قد توافق عليها القوم دون الحاجة إلى "ميثاق شرف" سيما فيما يخص السيادة والسياسة الخارجية والخدمات. أما ما أراه في الصحافة العراقية نتيجة متابعتي لها واهتمامي فإن لا مبدأ متفقٌ عليه سوى جعل المموّل وصاحب الامتياز خطاً أحمر لا يجوز المساس به مهما فعل. بالطبع لست معمّماً هنا ما أقول ولكن صحافتنا بشكل عام تحتاج إلى الكثير من المهنية وتعدد ألوان.
• صدرت لك حديثاً مجموعة قصصية بعنوان "فوق بلاد السواد" فأسلوب من الذي طغى عليها، القاص أم الصحفي؟ وما مشاريعك القادمة؟
ـ القاص بلا شك، فأنا في الصحافة أصيغ القصص على هيئة أعمدة ساخرة. فالمتابع لمقالاتي في الصحف سيجد بأنّي أكتب ما يمكن تسميته مجازاً بالمقالة القصصية، ولو عدت لأرشيف جريدة العالم لرأيت الكثير من المقالات التي نشرتها في عام ٢٠١١ وما تلاه كانت عبارة عن حكايات وقصص مُستلة من المشاهدات اليومية. هذا يعني بأنني لست جديداً على السرد لذلك كان الطريق سهلاً نوعاً ما إلى القارئ، سهّل الأمر استمراري على نشر القصص القصيرة في موقع فيسبوك والتي يتم إعادة نشرها على المواقع الثقافية الكثيرة. أما بالنسبة لمشاريعي القادمة فهنالك عمل أعكف على كتابته منذ سنتين وأتمنى أن يرى النور قريباً.
• كيف ترى البرامج الكوميدية التي انتشرت مؤخرا، البشير شو، ولاية بطيخ، مسموطة؟
ـ الكوميديا ملح الحياة وكل ما يُقدم منها ستكون له الصدارة بالمتابعة بكل تأكيد. الناس يا سيدي ملّت البكائيات والطرح الكئيب، وما يقدمه هؤلاء الشباب يُشكرون عليه حتماً، ولكن استخدام السخرية، سيما في الميديا، يحتاج إلى الكثير من الحذر والانتباه لكيلا تنزلق إلى الهزء بالآخرين والنيل من كرامتهم كأشخاص.